التلفزيون ” كهل” ولم ينضج!
خاص باب الشرق
صحيح سيتقاعد التلفزيون بعد أيام، ببلوغه عامه الستين !!! أكهل هو أم أمنهك أم مترهل!! أتذكر قبل عام من الآن، سُئل إعلامي عن حال التلفزيون في ذكراه التاسعة والخمسين ، اختصر المشهد بعبارة واحدة «صار عمر التلفزيون 59 أيّ أن عامه القادم للتقاعد».. فاجأني التصريح وقتها لا بل استغربته وما زال!!!
أفعلا بلغ التلفزيون عامه الستين، ولم يبلغ سن النضج بعد!!
قيل إن تموضع التلفزيون السوري ضمن شاشة الرادار الإعلامي، لا يقارب البتة سنيه الستين، تماما كما لم يقدر بشاشته البصرية أيا كانت في الماضي حتى الآن ، أن يفرض ذاته منافسا قويا ضمن حلبة الإعلام المرئي. وأكثر من ذلك، أحقا عجز التلفزيون السوري عن مجاراة أقرانه “أي ذي الصبغة الحكومية” كون المجاراة مع الإعلام الخاص غير منصفة للاثنين معا
صحة التلفزيون ببلوغه من العمر عتيا، تشي أن الحال على النقيض لما كان في بدايته، وقت أطلق الراحل صباح قباني بصوته شارة البدء للتلفزيون السوري من على قمّة جبل قاسيون، في ذاك اليوم، الثالث والعشرين من تموز الجاري 1960، لم أعاصر تلك الفترة، لكن قرأت كتبا متنوعة الأقلام توثق بدايات التلفزيون وسمعت عبر أكثر من مصدر كيف كان التلفزيون السوري رائدا، سيما وأن كثيرا من المحطات العربية اعتمدت في انطلاقتها وما زالت على الخبرات السورية ، والسؤال ما الخطب اليوم ؟ من ابتعد عن الآخر؟ التلفزيون أم المواطن وفي الحالتين من المسؤول؟ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الإعلام وسيلة تواصل بين الناس، وأداة لتقريب وجهات النظر فضلا عن دور الإعلام الثقافي والاجتماعي والاقتصادي كحامل للفكر التنويري والنهضوي، أظن أن سقف التشاؤم لم يكن ليصل في ذروته للجهر صراحة أن التلفزيون عام 1960 الطموح والحالم، لا يشبه تلفزيون 2020 إذ في مقارنة بسيطة لبرنامج اخذ صفة المنوع، “عجز” التلفزيون على إنتاج برنامج ك “كسهرة دمشق” الذي شكل رافعته الأساسية الفنان دريد لحام والراحل نهاد قلعي مع “حفظ الألقاب”، سقت البرنامج على سبيل الذكر فقط لا الحصر فالقائمة مشبعة بالمقارنات المتناقضة إذا ما شئنا التدقيق والتمحيص، لنكون أما حقيقة بعد ستة عقود، تقول إن التلفزيون رسب في تقديم البرامج المنوعة، لا بل لم يقو على إنتاج برنامج يحفر في ذاكرة المشاهد، اللهم إذا ما استثنينا “غدا نلتقي” و”ما يطلبه الجمهور”
الحبل على الجرار، برامج المسابقات ليست بأفضل حال، فقيرة في الفكرة والمضمون، وحتى في الفنان أو (ة) المختار لمهمة “قتالية”عبر استحضار “أسرى” من المشاهدين لشاشة يسال منها المال من جيوب مهدودة حالمة ببيت أو سيارة وفي أغلب الأوقات يشكل مبلغ 500 ألف ليرة سورية أقصى درجات الحلم لهذا المشاهد أو ذاك.
في عيده الستين، تبدو البرامج الثقافية كمن يصارع للبقاء، حتى الساعة لم نر برنامجا “يعبي الرأس” كما يحكى بالعامية، ف جل الزمن المحجوز للثقافة يختصر في ذكر مواعيد لأنشطة المراكز، كذلك التعليمية، أنحن مكبلي الأيدي أم قليلي الحيلة لعدم قدرتنا على استيلاد ذاكرة بصرية لأجيال متعاقبة كما فعل موفق الخاني في برنامج ” من الألف إلى الياء” أو حتى برنامج توفيق البجيرمي “طرائف من العالم”
اليوم ، حري بنا الإشارة إلى أن التلفزيون فقير في الإمكانيات رغم ضخامتها، يحتاج إلى استوديوهات، وإلى أشخاص خلاقين رغم كثرة العدد الوظيفي الكمي فيه دونما النوعي، إذ في أيام الدوام الرسمي تتزاحم المكاتب والكوريدورات ومنظومات الأخبار بعدد الموظفين الذين يتعبون من الجلوس على الفيس بوك أو حتى على الواتس آب دون أي عمل إبداعي إعلامي أيا كان نوعه، وفي أيام العطل، ترى عدد الموظفين في دائرة واحدة لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، والعمل يسير على خير ما يرام أو أقله يسير العمل وفق الضوابط المرسومة له .
ما سبق لا يقلل من قيمة التلفزيون والعاملين فيه والساعين ليكون أفضل، وحتى لا نتهم بالسوداوية ، التلفزيون كان حاضرا بقوة في الميدان، وثق البطولات كما وثق الإرهاب، قدم من كوادره الشهداء والجرحى، غير أن التلفزيون لا يختصر بسنوات الحرب فقط..
لتكون الأمنية، ونحن نضيء شمعة التلفزيون الستينية، بعيدة عن الخطابات والصور الفوتوغرافية وتبويس اللحى والتكريمات، والعمل بجد للنهوض بشاشة كانت تطمح للأفضل وما زالت..