التهديدات الإسرائيلية والأميركية بضرب إيران.. حلول إعلامية لأزمات إستراتيجية
يمكن تصنيف بعض العمليات التخريبية الموضعية التي تطال مواقع في الجمهورية الإسلامية، بعيداً عن نجاحها أو فشلها، في إطار أقصى ما يمكن القيام به ضد الجمهورية الإسلامية.
منذ عدة أيام، عُقد في كيان الاحتلال مؤتمر “هارتوغ” للأمن القومي. وقد حضر إلى جانب رئيس حكومة الكيان كل من وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل والسفير الأميركي السابق في الكيان الإسرائيلي ديفيد فريدمان وعدد من الفاعلين السياسيين الأميركيين.
ونظراً إلى أن محور هذا المؤتمر السنوي لا يخرج عن الإطار الإستراتيجي الذي يعني الكيان الإسرائيلي، فقد كان النووي الإيراني الحاضر الأول على طاولة التباحث، إضافة إلى ملفات أخرى تعني أمنه الإستراتيجي، مثل “اتفاقيات أبراهام” وكيفية حل إشكالية التهديدات الداخلية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
وإذا كان هناك سبيل للتدليل على الاتجاه العام للذين شاركوا في هذا المؤتمر، فإنَّ ما قاله بنيامين نتنياهو سيشكل دلالة واضحة على ضرورة تفعيل العمل العسكري ضد الجمهورية الإسلامية كخيار وحيد فاعل لتفادي امتلاكها سلاحاً نووياً.
وخلال حديثه، رأى أن ما منع الدول التي حاولت امتلاك سلاح نووي في الماضي لم يكن إلا القوة العسكرية، مستشهداً بتجربة الكيان الإسرائيلي ضد العراق، حين قصفت الطائرات الحربية مفاعل “أوزيراك” عام 1981، وكذلك حين قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف منشأة سورية في دير الزور عام 2007. وإضافة إلى هذين المثلين، أشار إلى أن الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لم يكن ليتخلَّى عن برنامجه النووي لولا التهديدات الأميركية والإسرائيلية بقصف ليبيا.
أما في المحور الثاني من حديث نتنياهو، فقد أمكن لمس محاولته تقديم خطة متكاملة لمواجهة إيران، من خلال التركيز على أهمية “اتفاقيات أبراهام” والتشديد على الانفتاح السعودي باعتبار المملكة شريكاً ضمنياً وأساسياً في هذه الاتفاقيات.
ومن خلال التركيز على الشراكة مع المملكة السعودية، حاول نتنياهو أن يقدم للولايات المتحدة الرافعة الأخرى لخطته الإستراتيجية، إذ اعتبر أن مسار التطبيع وما سينتج منه من تحالفات بين الدول العربية والكيان سيشكلان أفضل درع في مواجهة إيران.
ورأى أن توسيع دائرة “السلام” بين الدول العربية والكيان على أسس المصالح المشتركة، معطوفاً على القوة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، سيضمن أساساً صلباً لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وإذا ربطنا هذا الاتجاه بما سبق لسفير الولايات المتحدة الأميركية الحالي في الكيان الإسرائيلي توم نيديس أن أدلى به أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، وما صرح به بلينكن في فيينا، فإنَّ ذلك سيؤكّد أنَّ الاتجاه العام الذي يسود اليوم في الولايات المتحدة لا يتوقف على تفهم رؤية نتنياهو، إنما يشجع ويعمل عليها أيضاً.
إنّ إعلان السفير الأميركي أمام رؤساء المنظمات الإسرائيلية أن “إسرائيل” ينبغي أن تفعل كل ما تحتاجه للتعامل مع الجمهورية لم يكن غير منسق مع ما أعلنه بلينكن من اليونان عن أن الولايات المتحدة ملتزمة، إلى جانب الكيان الإسرائيلي، بضمان عدم حصول إيران على أسلحة نووية.
من خلال ما تقدم، يمكن لمس نوع من التوافق بين الإدارة الأميركية الحالية وما يمثله مايك بومبيو على مستوى الداخل الأميركي لناحية التوافق على التلويح بالخيار العسكري لمواجهة الجمهورية الإسلامية.
بطبيعة الحال، لم يكن الرئيس الأميركي بعيداً من هذا التوجه، إذ أعلن من أثينا أن الخيار الدبلوماسي ما زال الحل المثالي لحل الأزمة النووية، ولكنّ هذا التوجه لم يلقَ تجاوباً إيرانياً. وقد أردف تلميحاً إلى تزويد إيران روسيا بأسلحة، بما أوحى بإمكانية تصعيد الموقف تجاهها.
بعيداً من هذا الصخب الإعلامي، فإنَّ الإصرار الإسرائيلي على إطلاق التصريحات حول الضربة الأخيرة التي طالت ما يُعتقد أنه مصنع لإنتاج الطائرات المسيرة، خصوصاً لناحية التركيز الإسرائيلي على دور أميركي فاعل فيها، لم يكن بعيداً من السياق الإعلامي الذي دأب الكيان الإسرائيلي على إثارته منذ مجيء نتنياهو إلى الحكم.
وإذا تعمَّقنا في تحليل هذا التقاطع، فإن ذلك سيظهر سعياً إسرائيلياً يهدف إلى الإيحاء بتغيير أميركي على المستوى الإستراتيجي في الشرق الأوسط، إذ يجري التأكيد على عودة أميركية نشطة إلى المنطقة تحت عنوان المخاطر الإستراتيجية التي فرضتها تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وغذّتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نسب التخصيب التي أظهرت تخطي نسبة 84%، على حد زعمها في تقريرها الأخير عن إيران.
ولكنَّ إخضاع هذه الإيحاءات، إسرائيلية كانت أو أميركية، لمعطيات الميدان ومقاربتها انطلاقاً من التحول الإستراتيجي الذي تشهده المنطقة سيظهر تناقضاً واضحاً، إذ إنَّ الظروف الإستراتيجية التي حاصرت الجمهورية الإسلامية في عهد ترامب، والتي كانت تضمن وجود بيئة مؤاتية من حيث الشكل على الأقل لعمل عسكري إسرائيلي أو أميركي ضد إيران، لم تدفع باتجاه تبني هذا الخيار.
إنّ تحليل خطابات ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو خلال سنوات حكمه الأربع كانت ستقدم دليلاً واضحاً على وجود قرار أميركي بضرب الجمهورية الإسلامية إذا رفضت الانصياع لتوجهاتهم.
وإذا قاطعنا هذه الإعلانات مع المسعى الإسرائيلي الدائم لاستخدام القوة في مواجهة إيران، فإن المنطق كان سيفترض تعرّض الجمهورية الإسلامية لهذه الضربة منذ عدة سنوات، ولأكثر من مرة.
وانطلاقاً من واقع أنَّ القوة الأميركية لم تعد المؤثر الوحيد الفاعل في المنطقة، إذ إنَّ الأحداث التي تشهدها، انطلاقاً من رفض انصياع أكثر دول المنطقة لقرار الولايات المتحدة بمقاطعة روسيا ومحاصرتها، وصولاً إلى القرار الإقليمي بالانفتاح على سوريا، مروراً بالتوجه نحو الشرق وتعميق علاقات التعاون مع الصين وروسيا، يمكن القول إن القرار بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية أميركية مشتركة ضد الجمهورية الإسلامية لم يعد يستند إلى أسس واقعية.
التوجه الإقليمي نحو التهدئة، معطوفاً على التعثر الأميركي في أوكرانيا وحتمية مواجهة رفض أوروبي لاستمرار الدعم الغربي لأوكرانيا في المستقبل القريب، نتيجة إظهار وقائع الميدان أنه من دون جدوى ولم يحقق أي نتيجة تذكر، مضافاً إلى ذلك التخبط الإسرائيلي الأمني نتيجة المقاومة التي أثمرت في الضفة ألماً إسرائيلياً لا يحتمل، والانقسام السياسي الواضح الذي أصبح ينذر بإمكانية وقوع حرب أهلية إسرائيلية، كلها عوامل تؤدي إلى خلاصة مفادها انعدام إمكانية ترتيب أي عمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية.
وبناء عليه، يمكن تصنيف تلك التصريحات وبعض العمليات التخريبية الموضعية التي تطال مواقع في الجمهورية الإسلامية، بعيداً عن نجاحها أو فشلها، في إطار أقصى ما يمكن القيام به ضد الجمهورية الإسلامية.
أما تلك الضجة الإعلامية التي أثارها نتنياهو في هارتوغ، ومن خلفه عدد من السياسيين الأميركيين عبر أكثر من منبر، فإنّها لا تصنف إلا في خانة الضّجيج الذي يراد من خلاله إخفاء تخبّط وفشل في كيفية مقاربة التهديدات الحاسمة التي تحيط بالمشروعين الإستراتيجيين الأميركي والإسرائيلي.
وإذا كانت الاهتمامات الأميركية والإسرائيلية مختلفة لناحية علاقة الأولى بالموقع الأميركي المتقهقر، وعلاقة الثانية بمحاولة إشغال الرأي العام الإسرائيلي بالتهديدات الخارجية لكي تطغى على الانقسام الداخلي، فإنَّ الاتفاق بين الطرفين ظهر من خلال اعتبار تهديد الجمهورية الإسلامية إعلامياً بضربة عسكرية قد تشكل مدخلاً لمعالجة أزمتي الطرفين.
الميادين نت