التهويل مجانبة للحقيقة
مؤشرات ودراسات عديدة بينت أن جرائم الاغتصاب في العالم العربي قد تراجعت بشكل لافت مقارنة بالعقود الماضية، والدليل هو كثرة الحديث والاستنكار لجرائم الاغتصاب التي خرجت من السر إلى العلن بفضل وسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية وتطور الوعي والذهنية الاجتماعية.
الاغتصاب فعل إجرامي يرتبط بمجموعة عوامل وأسباب معقدة ومتشابكة، ولا يمكن التسرع في ربطه فقط بظواهر اجتماعية نفسية كالفقر والتهميش والكبت الجنسي أو حتى بعوامل أمنية كغياب الرادع القانوني وغير ذلك من القراءات السطحية التي تنم عن كسل في الرؤية والتحليل.
لا يكاد يخلو مجتمع من ظاهرة الاغتصاب، ومهما كانت درجة تطوره وتشبعه بالثقافة الحقوقية واقترابه من القيم والمثل الإنسانية، ذلك أن هذا السلوك البشري المشين والمدان في جميع النواميس والأعراف الأخلاقية، لا يخضع ارتفاع أو انخفاض منسوبه إلى مؤشرات وضوابط يمكن أن ترصدها مراكز الدراسات والأبحاث بدقة كما هو الحال في ظواهر وأمراض اجتماعية أخرى.
الإعلام، وبقدر ما يزيد من توعية الرأي العام حين يسلط الضوء على ظواهر وأمراض اجتماعية، بقد ما يساهم ـ من حيث يقصد أو لا يقصد ـ في خلق حالة من الرعب والتوجس نتيجة تهويله لبعض الظواهر والأمراض الاجتماعية كالاغتصاب الذي كان ولا يزال واحدا من أبشع الجرائم البشرية، لكنه يتضاءل ويتراجع في بلدان عربية كثيرة، بدليل أن الوجدان الشعبي يهتز بقوة عند حدوث مثلل هذه الجرائم، ولا يمر عليها مرور الكرام أو لا يسمع بها من أساسها كما كان في السابق.
وفي هذا الصدد سلطت خديجة براضي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، الضوء على ظاهرة اغتصاب الأطفال في المغرب، من زاوية علم الاجتماع، حيث ترى أن هذه الظاهرة ليست جديدة عن المجتمع المغربي، وأنّ ما جعلها تطفو على السطح هو خروجها من نطاق السرية والتكتم الذي كانت تُحاط بها من قبْل.
والاغتصاب ظاهرة معقدة، ولا يمكن محاصرة جميع أسبابها للتقليل من تفشيها كما هو الحال في معالجة الجريمة المنظمة أو تجارة واستهلاك المخدرات.
دول مشهود لها بتطورها الاجتماعي وتقدم نظمها وقوانينها تعاني من جرائم الاغتصاب أكثر من دول أخرى محسوبة على ما يعرف بالعالم الثالث أو البلدان المتخلفة، ولسوف يتفاجئ الكثير عند معرفة البلدان التي لديها أعلى معدلات جريمة الاغتصاب في العالم وفق إحصائيات أجريت في هذا الشأن.
أستراليا، مثلا، واحدة من البلدان التي لديها أعلى معدلات جريمة الاغتصاب في العالم. ففي دراسة أجريت مؤخرا، ذكر الباحثون أن معدل العنف ضد النساء في هذا البلد المشهود له بتطوره، يتزايد بشكل كبير على الرغم من الجهود المبذولة لفرض الحقوق المتساوية.
أما في السويد، البلد الذي يضرب به المثل في تطور منظومته الاجتماعية والقانونية، فبلغت حوادث الاغتصاب لكل 100 ألف من المواطنين نحو 63.5
وارتفعت معدلات حالات الاغتصاب المسجلة في بريطانيا في السنوات الأخيرة إلى حدود غير مسبوقة، وذلك في أعقاب الكشف عن العديد من فضائح الاعتداء الجنسي داخل البلاد، لاسيما من قبل مشاهير.
وقال المعهد الإحصائي الوطني في لندن إن النصف الأول من العام 2014 شهد تسجيل أكثر من 22 ألف حالة اغتصاب في بريطانيا، ما يعني ارتفاع النسبة عن العام الذي سبقه بـ 29بالمئة.
وأضاف المعهد أن ضحايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي في بريطانيا صاروا أكثر شجاعة من ذي قبل في الإبلاغ عن ما يتعرضون له من هذه الجرائم وهزت بريطانيا خلال الأشهر الماضية عدة فضائح تتعلق بالاعتداءات الجنسية التي ارتكبتها شخصيات مشهورة.
وفي سوازيلاند، تتزايد حوادث اغتصاب الفتيات قبل سن 18 عاما وهناك عدد كبير من ضحايا هذه القضايا التي تركت غير مبلغ عنها. تتعرض واحدة من كل ثلاث فتيات للاغتصاب، وفقا لتقارير اليونيسيف.
الاغتصاب من أشد الأمراض الاجتماعية خطورة، ذلك أنه حالة نفسية مزدوجة التعقيد بين المجرم والضحية، إذ يشكل الاثنان مرضا تتناسل عنه أمراض مؤجلة، وأخرى مرافقة له، فلطالما ارتبط الاغتصاب بجملة انحرافات متداخلة تشكل دافعا أو هدفا في أحيان كثيرة.
ويرجح المتخصصون أن حالات الاغتصاب في مجملها تقع في مجتمعات يزيد فيها الإحساس بالوحدة والاغتراب، ومنهم من يفصل كليا بين الاغتصاب والتحرش، وإن كان الأخير شكلا من أشكال الاعتداء، ذلك أن المتحرش عادة ما يكون ضمن دائرة اجتماعية شبه متجانسة أما المغتصب فيمارس فعله بشكل هجومي وغير متوقع.