“التوانسة ” نموذجا ….

أحتار في هؤلاء القوم ….أقصد “التوانسة “…هكذا وبجمع التكسير , لا المذكّر السالم , كيف يريد هؤلاء الناس ـ الذين أنا منهم ـ منافسة الروس في القراءة وإدمان المسكرات , الإيطاليين في الإيمان والعربدة , الفرنسيين في الأناقة والحذلقة الكلامية , الشيشان في الـتكفير و التأهّب للقتال , الصينيين في تحديد النسل والتداوي بالأعشاب , الأتراك في عشق الطعام و الغناء , اليابانيين في القتال الفردي و استهلاك السمك , الألمان في شرب البيرة و الاستعلاء , الإنكليز في السخرية و مناصرة الأقليات , المكسيكيين في الكسل و متابعة الفوتبول , الإسبان في الشعر والسهر و الاستكشاف ,اليونان في ركوب البحر والتاريخ , الأسكندنافيين في الحياد والحريات , الأفارقة في سرعة إعلان الغضب والفرح , الهولنديين في التدخين والحريات الفردية , الأمريكيين في المغامرة وتحقيق الأحلام …..والتونسيين في المطالبات و من ثم الهروب إلى الضفة الأخرى …!.

يحمل المجتمع التونسي تناقضات مدهشة في الغرابة , و مفارقات ما أنزل الله بها من سلطان , تبدأ من تجاور دور العبادات السماوية الثلاث في شارع واحد وتنتهي عند شتى المرابع الليلية , أزقّة “المتعة ” المرخّصة حكوميّا إلى جانب الزوايا الصوفية و الاحتفاليات التي تفوح منها روائح الخمرة والبخور .

هو أول الشعوب التي أعلنت الربيع ثم دهست زهوره ولم تقطف منه إلى الآن غير أشواكه , وهو يكاد يكون الوحيد من المجتمعات العربية والإسلامية التي حظيت بقوانين مدنية و دساتير تضاهي أعتى الديمقراطيات الغربية في حرية المرأة و فرض دولة القانون والمؤسسات , لكنه قد أفرز غلاة التطرّف والتكفير الجهادي , بل ويصدّر منهم أكثر من الفائض عن الحاجة , ممّا دفع صديقي المشرقي يعلّق ساخرا ” لم أشهد في بلادكم أي مظهر للتطرف الديني , لعلّكم فعلتم بهم مثلما فعل اقتصاديوكم بزيت الزيتون الذي صدرتموه كله عن بكرة أبيه , حتى بات نادرا و غالي الثمن في بلد المنشأ ” .

يعوز علماء النفس الاجتماعي هذه التناقضات المرعبة إلى غياب الإحساس بالانتماء ممّا يشكّل أزمة هوية ممزّقة بين مرجعية إسلامية وعروبيّة مشرقية يريدها الـتأصيليون الذين انزلقوا فيما بعد نحو الأصولية من جهة و حلم عصابي للحاق بركب الحضارة الغربية من جهة أخرى كما سعت إليه دولة الإستقلال التي يتزعمها بورقيبة وتياره الذي يستمر الآن في الحكم ….وكانت النتيجة إخفاق
المشروعين .

يريد التونسيون كغيرهم من العرب ـ أو ربما أكثر بكثير ـ أن يعيشوا الرفاهية الغربية في جلباب شرقي ودون أن يدفعوا أثمانها أو حتى يتحملون تبعاتها وضرائبها .

إنه نموذج الرجل الشرقي الذي يدعوا لتحرر المرأة شرط أن لا تكون فردا من “العائلة” و نموذج المرأة الشرقية في المطالبة بالمساواة إلاّ العمل و المساهمة في تحمّل أعباء الأسرة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى