الثقافة العربية ومعضلة الهوية!
هناك مشكلة مرتبطة بأزمة الثقافة العربية، تتمثل في الاختلاف حول مفهوم الهوية ومضمونها بين أقطاب النخبة الثقافية، حتى أصبحت أزمة الثقافة العربية سببا من الأسباب التي تعيق التطور والتقدم بسبب الصراعات بين الفئات الاجتماعية داخل الدولة حول النموذج الأمثل للنظام السياسي والاجتماعي.
وفي هذا الصدد، يرى بعض المثقفين العرب أنه كلما لاح في الأفق مشروع نهضة حضارية عربية، فإنه سرعان ما تعود تلك الثقافة إلى الانطلاق من منطقة الصفر (د. عبدالرحمن منيف في كتابه “بين الثقافة والسياسة”). فالثورات العربية السلمية التي شهدتها بعض الأقطار العربية في السنوات الأخيرة كانت ستشكل نهضة حضارية لولا انتكاستها وعودة هذه الأقطار إلى أسوأ مما كانت عليه. وسبب ذلك صراع حول الهوية، بين الحداثيين والمحافظين من جهة، وبين اليساريين والإسلاميين من جهة ثانية، وبين المذاهب الدينية (سنة وشيعة) من جهة أخرى.
وهذا عكس الثقافة الغربية، التي عندما انتصرت على الاستبداد والقمع، نهجت الطريق الديمقراطي المنظم لحياة المواطنين في ظل قوانين وأنظمة تضمن الحريات والحقوق لهم، وحسمت في مسألة الهوية كما أن الإنسان العربي لا يتمتع بالحقوق والحريات، كما يتمتع بها نظيره في المجتمع الغربي. ويعود سبب ذلك إلى طبيعة الثقافة السائدة في المجتمعات العربية عامة، وهي ثقافة تقمع الحرية والإبداع، وتتشبث أكثر بالأصالة والتقليد والتراث.
ولذلك، فإن مسألة التنمية والحداثة في الأقطار العربية لا يمكن معالجتها ما لم يتم الحسم بين أفراد المجتمع في شكل ومضمون الهوية الثقافية، بمعنى آخر: ما هو النموذج الاجتماعي الأمثل الذي يتوافق عليه الجميع رغم التنوع الثقافي والاختلاف الايديولوجي والتعدد الاثني؟ فالإثنية في المجتمعات العربية تشكل خطرا على الهوية والانسجام المجتمعي، مما قد تنتج عنه الصراعات المتتالية والحروب الأهلية أحيانا وتقسيم المجتمعات جغرافيا، وهذا بدوره ساهم في تخلف البلدان العربية وأعاق مسيرة النمو الحقيقي. فحتى لو يبدو لنا أن هناك نموا في بعض هذه البلدان، فإنه لا يعكس الإبداع الإنساني؛ لأن شكل النمو غالبا ما يكون مستوردا من الخارج، لم يساهم فيه بشكل أساسي المواطن أو المثقف العربي.
ميدل إيست أون لاين