الثلاثية النقدية للجهاديين في الموصل تقوم على المنافسة والتهريب والتحايل

يتبنّى “بيت المال” سياسة نقدية قائمة على ثلاثية المنافسة والتهريب والتحايل لتحقيق أرباح مباشرة، والمفارقة أن الدولار الأميركي والدينار العراقي “التالف” لا يزالان سيديّ الموقف، بينما لا مكان لدينار الخليفة الذهبي. ولم يبق لتنظيم الدولة الإسلامية صورة واحدة لأي سياسي عراقي في شوارع الموصل بعد سيطرته عليها، لكنه يغض الطرف عن صور الآباء المؤسسين خاصة بنجامين فرانكلين المطبوعة على العملة الأميركية فئة مئة دولار التي تتصدر مشهد المال والتجارة في “دولة الخلافة”.

وبيت المال هو وزارة المالية في التنظيم الجهادي، يدير الشؤون النقدية وتعليماته الصارمة لا تقبل نقاشا وتمثل دستور صيرفيي الموصل الذين باتوا يؤدون وظيفة المصارف الحكومية التي توقفت عن العمل تماما بعد حزيران/يونيو2014. وتوجد التعليمات الخاصة بالتعاملات النقدية مطبوعة في ورق ومعلقة على الواجهات الزجاجية لمكاتب وشركات الصيرفة بلا استثناء، إذ يراقب عناصر بيت المال عن كثب هذه التعاملات ويزرع العيون والجواسيس لرصد المخالفين. ويقول أبو سعد الصيرفي ان “الربا وبيع النقد بالآجل ممنوع تماما، تحويل او تسلم أي مبلغ لا يتم إلا بعد الاحتفاظ بنسخ من الأوراق الثبوتية للشخص المعني وعنوان سكنه في الموصل”.

ويتدخل بيت المال أيضا في تحديد سعر الصرف ويفرض قيودا صارمة على حركة النقود، فهو يمنع إخراج الدولار الأميركي من الموصل إذا زاد عن عشرة آلاف للشخص الواحد، إلا بإجازة يمنحها للتجار حصرا، كما يكشف أبو سعد.

شركات للمنافسة والتهريب

ولتنفيذ سياسته النقدية، أسس التنظيم المتطرف شركات صيرفة وتعامل نقدي باسمه الصريح وأخرى بأسماء مدنية، للسيطرة على السوق في مواجهة تجار عملة مخضرمين أمثال محمد ياباني وعمر معارض وأسماء أخرى. ويتعدى دور شركات الدولة الإسلامية، تحديد سعر صرف الدولار في الموصل الى المساهمة بعمليات تهريب الدولار. هنا يكشف احمد سلمان موظف مصرفي سابق، أن العاصمة بغداد أهم منافذ التهريب، لكنه تعطل مؤخرا بعد تحرير القوات العراقية جزيرة سامراء شمال بغداد، حيث كان بلوك الدولار يمر عبرها وصولا إلى الموصل.

ويضيف سلمان الذي يعمل حاليا في شركة خاصة في الموصل ان المصدر الآخر لتهريب الدولار هو إقليم كردستان وتحديدا مدينتا أربيل ودهوك، وتمر كميات النقود المهربة عبر منطقة سد الموصل. ويشرح سلمان تفاصيل عمليات النقل اذ يؤكد ان التهريب عوض النقص في عملة الدولار لاسيما وان السلطات العراقية في بغداد وإقليم كردستان تمنع تحويل أية مبالغ مالية الى الموصل، وما يدفع المهربين العرب والأكراد الى المخاطرة بالتهريب هامش الربح السريع الذي يصل الى سبع في المئة عن الكمية المهربة”.

ولا يمكن تجاهل سوريا كمصدر مهم للدولار الذي يدخل الموصل عبر التجار السوريين الذين بات لهم ثقل مهم في المدينة، حيث يجرون معاملاتهم التجارية بالدولار حصرا.

حيلة الفئات الصغيرة والعملة التالفة

ويبدو أن السياسة النقدية للتنظيم المتشدد فيها تحايل كبير، يتضح عبر تبني سعر صرف متباين للدولار مقابل الدينار بالإفادة من كميات العملة العراقية التالفة وذات الفئات الصغيرة التي استحوذ عليها من خزائن البنك المركزي وفروع المصارف الأخرى في الموصل.

ويتم عمليا صرف مئة دولار بـ (130) ألف دينار عراقي حاليا أي أعلى من صرفه في بغداد بخمسة آلاف دينار، وهنا نتحدث عن الدينار ذي الفئات الكبيرة من فئات (25,000) و(10,000) و (5,000) لان سعر صرف الدولار يرتفع الى(135,000) لفئة ألف دينار، ثم يقفز الى (155,000) للفئة الأصغر وهي (250) دينارا. وإذا كان الدولار متوفرا للأسباب التي أوردناها قبل قليل، ثمة مشكلة في الدينار، لان سيد السوق حاليا الفئتان الأصغر وهما (100) و (250 الف) ومعظمها تالف إذ لا توجد عملة معدنية دارجة في عموم العراق.

ويفسر موظف مصرفي، طلب عدم ذكر اسمه انه ثمة غاية مهمة لترويج العملة الصغيرة والتالفة قائلا “ان التنظيم يحقق أرباحاً بنحو 20 في المئة من عملية بيع الدولار مقابل الدينار او العكس، لان الموارد المالية (المدخلات) له تكون بالدولار كمبيعات معامله وأرباح شركاته والضرائب على التجارة والغرامات وغيرها.

في المقابل، يمتلك التنظيم المتشدد “حكومة” في الواقع ولديه آلاف الموظفين سواء أعضاءه او المدنيين كالكوادر الطبية وموظفي الكهرباء والبلدية وغيرهم، ويدفع لهم المخرجات أي الرواتب بالدينار العراقي من الفئتين الصغيرتين حصرا أي انه يحقق ربحا في عملية الصرف بالنسبة المذكورة طالما أن المدخلات بالدولار والمخرجات بالدينار. ويبدو أن “بيت المال” بدأ يبحث عن مصادر تمويل جديدة مثلا أمر مؤخرا بخصم جزء من رواتب المتقاعدين وهم الشريحة الوحيدة التي ما زالت الحكومة الاتحادية ترسل مستحقاتهم عبر نظام البطاقة الذكية الالكتروني.

وفي النتيجة أن سيد أسواق الموصل القابعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية المتطرف منذ نحو (22) شهرا هو الدولار الأميركي والدينار العراقي التالف، اما دينار الخليفة الذهبي الذي ضج العالم بدعاياته منتصف عام 2015، فلا ذكر له إطلاقا.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى