الجحيم العربي الذي صنعته لنا الفوضى الخلاقة

الجميع يسعى الى معرفة حقيقة تنظيم داعش فلابد أن تكون له جذور، وله أسباب فهو ليس بنبت شيطاني نبع فجأة من باطن الارض، لم تأخذنا الأيام بعيدا حتى تكشفت لنا حقائقه يوما بعد يوم، وذلك من خلال تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين التي تردنا بتواتر زمني يبدو مدروسا.

فأول ما وصلنا منها أن تنظيم داعش له جذوره المتمثلة في القاعدة التي خرج من رحمها، ثم انسلخ عنها حتى تشكلت له هياكله المستقلة، وانضم تحت لوائه رجال تلقوا التدريب اللازم في دول مثل أفغانستان وباكستان، وهي الدول ذاتها التي كانت مرتعا خصبا لتدريب تنظيم القاعدة، وتضيف هذه التصريحات أيضاً ان إيران هي احدى الدول التي تمد هذا التنظيم (داعش) بالمال والسلاح والتدريب اللازم، وهو الدور ذاته الذي لعبته إيران مع تنظيم القاعدة بعد أحداث سبتمبر،وهذه المعلومات الآخيرة كشفت عنها هذه المصادر، قبل أن يبدأ (داعش) بعملياته في سورية.

ثم توالت التصريحات من المسؤولين الأميركيين بتفاصيل عن حقيقة هذا التنظيم وقدراته القتالية، وعن شخصياته ذات الأهمية، فالبغدادي الذي أعلن عن نفسه خليفة المسلمين في «دولة الخلافة الاسلامية في الشام والعراق» بعد سقوط ثاني اكبر مدن العراق الموصل، هو إبراهيم عوض إبراهيم البدري، ومصادر أخرى تسميه إبراهيم عواد إبراهيم البدري، ولابد أن الأميركيين قد عرفوا حقيقته تمام المعرفة لان قواتهم قد اعتقلته عام 2004، وهو يقاتل جنودهم في الفلوجة، وسجن في معسكر الاعتقال الأميركي في العراق (بوكا)، وهم من اطلق سراحه عام 2009، فمن المؤكد أنهم أجروا معه التحقيق اللازم لمعرفة هذه الشخصية وما تخطط له. ومن هؤلاء الأميركيين المعنيين (تايس) الذي قال: «بينما كانت القوات الاميركية تنسحب من العراق، كان البغدادي يمهد الارض لمنظمته (داعش) عام 2010، وفي العام الذي تلاه وسع عملياته في سورية للثورة على نظام الأسد، وخلال تلك الفترة بدا البغدادي حملته السرية لتقويض قوات الأمن العراقي، التي كانت أسيرة للانقسامات الطائفية». وأضاف «أن داعش قام بسلسلة من الاغتيالات والهجمات المنظمة ضد القوات العراقية، وعلى شخصيات موالية لحكومة المالكي، ما أدى إلى تفتيت قوات الأمن الحكومية»، وقال أيضاً عن البغدادي وعن كوادره «قام البغدادي وكوادره المتحفزون بتحكم مركزي في القيادة، لكنه لا مركزي في التنفيذ، أي أن قادة المناطق هم يقدرون تخطيط عملياتهم».

وهناك غير (تايس) من الشخصيات التي تسرب بعض المعلومات عن هذا التنظيم، أو زعيمه كمثل (جاريت براشمان) المدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب في حديث إذاعي له في أغسطس الماضي قال فيه «ان القوة المقاتلة التي شكلها البغدادي هي من جنود سابقين، وضباط كبار كانوا في الجيش العراقي الذي قامت أميركا بتفكيكه خلال غزوها العراق في 2003»، ووصل تعداد هذه القوة إلى 20 ألف مقاتل، وقال أيضاً «وقد ضم البغدادي إليه إضافة إلى الخبرات العسكرية المتمرسة في مجال الاستخبارات العسكرية خبرات إعلامية وتقنية رفيعة المستوى»، وكما نعلم من غير أقوال هؤلاء المعنيين الأميركيين، ان تخطيط البغدادي لم يقف عند التكتيك العسكري، إنما اهتم بالتكتيك السياسي، إذ عزز علاقاته بعشائر وسط العراق – وإن كان هو منهم – مقدرا بوعي شديد أهمية ودور وتأثيرات هذه العشائر في تاريخ العراق الحديث، والذي لم تغفله حكومات عراقية عديدة منذ العصر العثماني حتى سقوط بغداد في 2003… لم يغفلها صدام حسين على ما كان عليه من تسلط وطغيان، فقد تواصل معها،واستعان بها في حربه على إيران، لكن الحكومات العراقية الحالية اغفلتها واستهانت بها، وخاصة حكومة المالكي التي كانت من أسباب ما حدث في الأنبار والموصل مؤخراً.

ومن المصادر الاميركية الاخرى هو (ماكجورك) في تصريحه أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الاميركي، حيث قال: «ان البغدادي قام ببسط سيطرته على مدينة الموصل بشكل منهج، وأنه وضع أسس هذه الانتصارات خلال السنوات الأربع الماضية، من خلال تخطيط متطور يعتمد الصبر والتركيز». ان هذه التصريحات التي نقلتها هذه الشخصيات ذات مسؤوليات مباشرة لم تأت اعتباطا في توقيتها، انما حدد لها الزمن الذي يعلن فيه عنها، ليأتي بعدها التهويل العظيم من خطر داعش المستطير على أميركا تحديدا، وأعلن أيضاً عن أن هذا الخطر سيمس دول الخليج العربي لغاية أريد منها أن تساهم هذه الدول في الميزانية المرصودة للحرب على داعش، والتي وصلت إلى (500) مليون دولار، وقد أشارت بعض المصادر إلى أنها أكبر سرقة لدول الخليج في القرن الواحد والعشرين، وألحقت هذه المصادر الخبر بسخرية هي إن كان تعداد مقاتلي داعش (20) مقاتلا فتكون كلفة القضاء على الداعشي الواحد(25) مليون دولار، كان الأجدر بمخططي هذه الحرب ان يدفعوا الـ(25) مباشرة لكل مقاتل لانه بعدها سيهجر الجهاد وينعم بهذه الملايين التي انهالت عليه دون جهد أو جهاد.

ولأن فيلم (الفوضى الخلاقة) لا يراد له ان ينتهي في المنطقة العربية، ترتفع نبرة التهويل بين الحين والآخر وبأصوات أميركية متعددة تنبئ اليوم بالخطر العظيم على أميركا من داعش، وفي الغد سيأتي الخطر من تنظيمات تخلق في حينها بقياس المناسبة والحدث، ومن هذه الأصوات ما جاء على لسان (هنري كيسنجر) وزير خارجية اميركا الأسبق الذي بلغ التسعين ولايزال تؤخذ منه المشورة والتخطيط والتدبير فهو يدعو بالأنتقام والانتقام الكبير من داعش لان بأعمالها الوحشية كما قال «اهانة لقيمنا ولمجتمعنا، تتطلب انتقاما كبيرا جداً، ولا يمكن أن يكون هناك أي جدال، أو مزيد من النقاش حول قتالهم»! كيف هي إهانة للقيم الاميركية، ولم تصل شرارة من هذا الخطر لأي نقطة أميركية. إنما الذي اكتوى بنيرانها هم العرب، والإهانة الحقيقية من داعش لم تمس القيم الاميركية، إنما مست قيم ومبادئ الإسلام العظيم، من خلال رفع تلك الرايات السود التي كتب عليها (الدولة الاسلامية)..لكنه الطغيان والتسلط الأميركي، القوة العظمى في العالم تريد أن ترسم هذا العالم كيف شاءت.. كيف لا وهذا وزير خارجيتها الأسبق (هنري كيسنجر) يقولها علانية «علينا أن نسعى إلى تشكيل الأحداث، بدلا من أن تضعفنا هذه الأحداث، ولمعرفة أي من العالم نريد»!

بعد هذا كله لا ندري إلى أي مدى ستبقى المنطقة العربية وناسها يكتون بجحيم الربيع العربي الذي رسمته لنا الفوضى الخلاقة.

صحيفة النهار الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى