تحليلات سياسيةسلايد

الجزائر ــ المغرب: نُذُر حرب

لم يكن وارداً في الحسبان، أن تصل التوترات المعتملة بين الجزائر والمغرب، بعد القطيعة الدبلوماسية، إلى درجة الاعتداء المسلّح، الذي أصبح أمراً واقعاً بعد الهجوم الذي تسبَّب، في الأوّل من الشهر الجاري، في مقتل ثلاثة جزائريين، وأدّى إلى حالة من الغضب السياسي والشعبي غير مسبوقة. وظلّ هذا الحادث الذي انتشرت أخباره في يوم وقوعه، محاطاً بالألغاز، في ضوء التريّث الرسمي في الكشف عن مآله، لكن الرئاسة الجزائرية خرجت عن صمتها بعد ثلاثة أيّام من وقوعه في بيان شديد اللهجة، أوردت فيه بعد سرْد تفاصيل الواقعة، أن عدّة عوامل تشير إلى تورط «قوات الاحتلال المغربية في الصحراء الغربية في الاغتيال الجبان بأسلحة متطوّرة».

ولفت البيان إلى أن الرئاسة «اتّخذت على الفور الخطوات اللازمة للتحقيق في هذا العمل من أجل توضيح الظروف التي تم خلالها»، مؤكداً أنه «مظهر جديد (من مظاهر) العدوان الوحشي المميز لسياسة المغرب». وذهبت الرئاسة إلى حدّ وصف ما جرى بأنه «إرهاب دولة»، وهو مصطلح يجري استعماله للمرّة الأولى حيال المغرب، كما شدّدت على أن الاعتداء «لن يمرّ من دون عقاب»، وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات عدّة حول ما تعتزم الجزائر القيام به.

واللافت أن الرئاسة استدعت الشعور الوطني الجزائري في الحديث عن المواطنين، ضحايا الاعتداء، بشكل يضع النظام المغربي في مواجهة مع الجزائر دولةً وشعباً، وليس فقط مع النظام السياسي؛ فاعتبرت أن تاريخ الاعتداء لم يكن عبثيّاً كونه صادف ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية. وجاء في البيان الصادر عنها: «عندما يحتفل الشعب الجزائري بفرح وصفاء بالذكرى الـ 67 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، يُقتل ثلاثة جزائريين في قصف جبان لشاحنتهم، بينما كانوا يربطون بين نواكشوط وورقلة في حركة التجارة الطبيعية بين شعوب المنطقة». وفي هذا السياق، تشير الجزائر إلى تقويض المغرب حركة التجارة الطبيعية بين شعوب المنطقة، كردٍّ موجّه للدول المغاربية، عن اتهام الرباط للجزائر بأنها «تعطّل تفعيل المغرب العربي».

وفي ردّها على اتهامات الجزائر، أكدت الحكومة المغربية تمسُّكها بـ«احترام مبادئ حسن الجوار مع الجميع»، فيما نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر مغربي لم تسمّه، قوله، إن «المغرب لا يريد الحرب إذا كانت الجزائر تريدها»، مؤكداً أن «المملكة لم ولن تستهدف أيّ مواطن جزائري مهما كانت الظروف والاستفزازات». وعلى رغم أن بيان الرئاسة الجزائرية لم يُحدِّد على وجه الدقّة الموقع الذي جرى فيه الاستهداف، إلّا أن مواقع جزائرية متخصّصة حدَّدته في «بئر لحلو في الصحراء الغربية»، وهي منطقة تعتبرها جبهة «البوليساريو» من مناطقها المحرّرة. لكن المصدر المغربي ذكر أن من المفاجئ أن تتحدَّث الرئاسة الجزائرية عن «وجود شاحنة في هذه المنطقة، بالنظر إلى وضعيتها القانونية والعسكرية… هذه المنطقة تتنقّل فيها حصراً الميليشيا المسلّحة لجبهة البوليساريو».

وأمام هذا التصعيد، تتعدّد الاحتمالات حول شكل الردّ الجزائري المتوقَّع، إذ ثمة مَن يستبعد حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين أو حرب مفتوحة، فيما يتوقّع آخرون أن تعمل الجزائر على إظهار المغرب في موقع المعتدي، وإشهاد العالم عليه، مع احتمال تقديم شكوى أمام الأمم المتحدة للحصول على إدانة. وفي هذا الإطار، يقول أكرم خريف، مدير موقع «مينا ديفنس» المتخصّص والذي كان السبّاق في نقل الخبر، إنه «لا يتوقّع ردّاً مماثلاً بحيث يكون هناك هجوم عسكري جزائري على مدنيين عُزّل»، كما لا يتوقّع «هجوماً عسكرياً جزائرياً مكثّفاً على مواقع مغربية». ويوضح خريف، لـ«الأخبار»، أن «الردّ الجزائري سيكون ممنهجاً وبعيد المدى، مع إمكانية أن يتضمّن تصعيداً عسكرياً على الحدود وتكثيفاً للتعاون مع جبهة البوليساريو».

وليس خافياً أن ما فجّر العلاقة بين الجزائر والمغرب وتسبَّب في قطع التواصل الدبلوماسي نهائياً بينهما، هو قرار المغرب تطبيع علاقاته مع الكيان العبري. وتستدعي جزئية «استخدام سلاح متطوّر في الاعتداء على الضحايا الجزائريين» التي وردت في بيان الرئاسة الجزائرية التوقّف عندها، كونها تحيل إلى احتمال أن يكون الاستهداف ناتجاً من التعاون العسكري الإسرائيلي ــــ المغربي الذي سبق للجزائر أن أدرجته في أسباب قطع العلاقة مع جارتها المغربية. وفيه ذكر وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في آب الماضي، أن السلطات المغربية منحت موطئ قدم لقوة عسكرية أجنبية (إسرائيل) في المنطقة المغاربية، فيما حرّضت ممثّلها على الإدلاء بتصريحات كاذبة وكيدية ضدّ دولة جارة، في إشارة إلى التهديدات التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي ضدّ الجزائر أثناء زيارته للمغرب، وهو ما شكّل، وفق الأولى، عملاً خطيراً وغير مسؤول ينتهك أحكام المادة الخامسة من معاهدة الأخوّة وحسن الجوار والتعاون المبرمة بين البلدين.

ولاحقاً، كشفت صحف إسبانية عن بدء تنفيذ المغرب وإسرائيل مشروع تصنيع طائرات من دون طيار في إطار تجسيد الشقّ المتعلّق بالتعاون الدفاعي بينهما، وذلك بالشراكة مع مجموعة صناعات الطيران الإسرائيلية «بلوبيرد إيرو سيستمز». وتعمل هذه الطائرات كقنابل مسيّرة يمكنها أن تطير بسرعة فائقة مع حمل رؤوس متفجرة وتحديد الهدف عبر كاميرات استطلاعية.

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى