هل باشر جيش الاحتلال بالاستعداد للهزيمة في عدوانه البربريّ ضدّ قطاع غزّة؟
فقد بدأ الجيش بإدخال أعداد (المخربين) الذين يتمكّن من قتلهم، في سياق تقاريره، ويرى المُحلِّل العسكريّ الإسرائيليّ، عاموس هرئيل، أنّها ظاهرة إشكاليّة اتّسم بها الجيش الأمريكيّ خلال حرب فيتنام.
وفي هذا السياق نشر المختًّص يغيل ليفي في (هآرتس) العبريّة أنّ “مسألة إحصاء الجثث تُعتبر ظاهرةً غيرُ عاديةٍ في الثقافة السياسية – العسكرية في إسرائيل، ولكن رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت هو الذي رعى هذا التوجّه. وعلى سبيل المثال، قال أيزنكوت قبل نحو عامٍ من تقاعُده: “على مدار العاميْن الماضييْن، قُتل بالضفّة الغربيّة وحدها 171 مخربًا”، وأضاف: “هذا العدد مرتفع بما لا يقاس، مقارنةً بالسنوات الماضية”.
“أمّا رئيس الأركان اللاحق أفيف كوخافي، فقام بترقية هذا النهج من خلال التزامه خلق “جيش فتّاك”، إنّ عبارة فتّاك، طبعًا، تعني مسببًا للموت، ولذا، فإنّ واحدًا من معايير النجاح، بالنسبة لكوخافي، يتمثل في عدد مَنْ يقتلهم الجيش”.
ولفت إلى أنّ “الظروف التي يُواجِه فيها الجيش مصاعب في صوغ معايير راسخة لتقييم نتائج الأعمال القتالية، كما كانت عليه الحال في فيتنام، فإنّ تعداد الجثامين يتحوّل، بحدّ ذاته، إلى معيار نجاح، بدلاً من الأهداف التي جرى هذا القتل في سياق تحقيقها”.
وتابع: “هذا هو الحال أيضًا في الأعمال القتالية المتمثلة في النظام البوليسي الذي يفرضه الاحتلال بالضفّة الغربية، وهي أعمال لا يمكن أنْ تُحقِّق سوى الحفاظ على الوضع القائم، وهذا هو الحال أيضًا في الحرب الدائرة حاليًا في قطاع غزة، والتي لا يمكن الإشارة إلى إنجازات لها تضمن مستقبلاً أمنيًا جديدًا في هذه المرحلة”.
وأردف: “علاوةً على ما تقدم، فإنّ لغة القتل تحولّت إلى جزء من الذخيرة الكلامية لقادة الجيش، كما هي حال اللفتنانت كولونيل رومان غوفمان، قائد مركز التدريبات البرية، الذي صرّح، قائلاً “الآن، سنتقدم ونقتلهم جميعًا”، إلى جانب اللفتنانت كولونيل دادو بار خليفة، قائد الفرقة رقم 36، الذي أطلق وعده، قائلاً “سنقوم بالقضاء عليه (على العدو)، وعلى ما يتبقى من ذكره”.
وأوضح: “يصبح استخدام العنف هدفًا بحدّ ذاته، حين لا يعود في الإمكان تبرير هذا العنف، من ناحية تحقيق الأهداف. وبذا، يُحتمل أنّ خطاب الجيش الإسرائيليّ لا يعدو كونه شكلاً من أشكال التمهيد لحالةٍ محتملةٍ، يؤدي فيها الضغط الأمريكيّ إلى وقف الأعمال القتالية قبل ضمان انهيار سلطة (حماس)، وبهذه الصورة، سيتمكّن الجيش من الظهور بمظهر مَنْ حقق إنجازات، في حين سيُتهّم الساسة بأنّهم حالوا بينه وبين تحقيق النصر”.
ولفت إلى أنّ “إحصاء الجثامين له دور آخر. وقد كان ذلك ظاهرًا في حالة الجيش الأمريكيّ بالعراق هذه المرّة، لا في فيتنام. إنّ ارتفاع أعداد القتلى الأمريكيين شجّع الجيش على نشر الأثمان التي كبّدها لعدوّه، إذ إنّها كانت أعلى كثيرًا من القتلى الأمريكيين، وبذا، تمّ بثّ صورة للمجتمع الحساس تجاه قتلاه، مفادها التالي: صحيح أنّنا نعاني، لكن عدوّنا يعاني أكثر، ولذا، عليكم إبداء الصبر”.
وشدّدّ المُحلِّل الإسرائيليّ على أنّه “ليس من المستحيل أنْ يتبلور خطاب على هذه الشاكلة لدينا أيضًا، إنّ العدد المنخفض، نسبيًا، منذ الآن، لقتلى الجيش الإسرائيليّ في العمليات البريّة يحفّز أصوات الألم، ومن شأن هذه الأصوات أنْ تتحول لمعارضةٍ لمواصلة تقديم التضحيات”
ورأى أنّ “الأمر يمثّل كابوسًا لكلّ جيشٍ، وبما أنّ مشهدية الدمار المتحققة بقطاع غزة لم تعد مقنعة أوْ كافية، فضلاً عن أنّه لا يمكن التفاخر بعدد القتلى الغزّيين العام، وأغلبيتهم من المدنيين، وفي ظلّ غياب مؤشرات تفيد بتحقّق الأهداف الغامضة للحرب، أوْ حتى في ظلّ غياب أيّ مؤشراتٍ تفيد بأنّ أهداف هذه الحرب قابلة للتحقق، فإنّ الرسالة التي تقول “صحيح أنّنا نتعرض للقتل، لكننا نقتُل أكثر”، يمكن أنْ تحمل أثرًا مهدئًا، بصورةٍ موقتةٍ على الأقل”.
واختتم:” من المتوقع من جمهورٍ معروفٍ بانتقاده، أنْ يزيد حدّة رقابته على طريقة خوض الحرب، وألّا يسمح للأرقام بأنْ تضلله، وأنْ يطالب الحكومة بإجابةٍ واضحةٍ عن سؤالٍ، مَنْ هم القتلى، وَمَنْ هم المقتولون”، طبقًا للمُحلِّل الإسرائيليّ.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية