فن و ثقافة

الحاجة إلى الفيلم الوثائقي السياسي في سورية |(تجربة فيلم حزب العهد الوطني والاشتراكيين العرب)

عماد نداف

الحديث عن الأفلام الوثائقية السياسية مثير للاهتمام هذه الأيام ، ولايمكن المرور على موضوعه مرور الكرام، وخاصة أننا في سورية بحاجة ماسة لفتح سجلات التاريخ، والتعاطي معه من بوابة الموضوعية ، وتأكيد مصداقية الوثيقة التاريخية، وهذا يعني تلقائيا أننا أمام أكثر من وجهة نظر في معنى التوثيق ورسائله   وأهدافه . 

 

وعندما طلب مني الصديق المهندس غسان عبد العزيز عثمان القيام إعداد فيلم عن حركة الاشتراكين العرب في مختلف مراحلها ، وصولا إلى مرحلة (حزب العهد الوطني) انتبهت إلى أن المسألة تحتاج إلى التعمق في جذور الصراع السياسي في سورية أي الدخول في عمق التاريخ السوري في الصراع الوطني والاجتماعي والسياسي قبل الاستقلال وبعده.

صوّت مؤتمر الحزب السادس لحركة الاشتراكيين العرب عام 2004 على تغيير اسم الحزب إلى حزب العهد الوطني، وعندما سألت في وقتها عن دوافع هذا التغيير أجابني أن المرحلة الجديدة التي بدأت هي جزء من تاريخ طويل سيبني على آفاق متجددة تجعل للحزب مكانة تليق به وبتاريخه.

وبالفعل، وكما جاء في الفيلم الوثائقي المنجز، يفتح عام 2004 على تاريخ الكفاح الحزبي والوطني الذي يعود إلى ثورة عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت مدينة حماه واحدة من بؤر الثورة على المستعمر، وكان أحد أبنائها عثمان الحوراني قامة من القامات السياسية في سورية أسس حزب الشباب عام 1937 ثم انضم إلى حزب الشباب الوطني عام 1939 ، وهو الأرضية الاجتماعية المواجهة للإقطاع التي نبتت فيها حركة الاشتراكيين العرب و حزب العهد الوطني عام 2004.

في التاريخ السياسي السوري حققت سورية استقلالها بعد تضحيات كبرى شارك فيها جميع السوريين، وما أن انتهت معركة الاستقلال جاءت معركة فلسطين وخاض الوطنيون السوريون معركة الذود عن قضية فلسطين في ظروفها المعروفة ومنذ ذلك الوقت تصدرت القضية الفلسطينية برامج المؤتمرات الحزبية ووثائقها ، وصارت هذه القضية مقياساً للمواقف السياسية للأحزاب.

مع تصاعد الصراع السياسي في سورية بعد الاستقلال هناك قوى وشخصيات سياسية وعسكرية إنقلابية تصدرت واجهة الأحداث بدءا من الطيف السياسي القوي في مختلف اتجاهاته وصولاً إلى حسني الزعيم واديب الشيشكلي وسامي الحناوي وغيرهم .

وكانت حركة البعث العربي قد شكلت حزب البعث العربي، ثم قام أتباع عثمان الحوراني مع الحيوية التي برز بها الزعيم أكرم الحوراني بين الفلاحين بتأسيس الحزب العربي الاشتراكي عام 1951 بزعامته، وأقام أول مهرجان فلاحي في منطقة الشيخ بدر ثم في حلب دعما للفلاحين في مواجهة الاقطاع،  ثم مالبث أن انضم إلى حزب البعث العربي ليشكل عام 1952 حزب البعث العربي الاشتراكي.

مع قيام الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 ، عاش العرب مرحلة دافئة من التاريخ القومي العربي تحولت فيها سورية ومصر إلى نموذج حي لطموحات الشعب العربي، وقد حل حزب البعث العربي الاشتراكي نفسه من أجل الوحدة إثر صدور قانون حل الأحزاب الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولاقى الشيوعيون مطاردة أمنية نتيجة موقفهم الرافض لهذه الخطوة ولخلافهم مع دولة الوحدة على التعاطي مع المسألة القومية.

عمليا لم تعش الوحدة طويلا ووقع الانفصال في الثامن والعشرين من أيلول عام 1961، ونتيجة للموقف الغامض للسياسي أكرم الحوراني أحد رموز الحزب حيث قيل إنه وقع على وثيقة الانفصال أعاد أعضاء الحزب العربي الاشتراكي تنظيم صفوفهم بمعزل عنه تحت اسم حركة الاشتراكيين العرب وكان عبد الغني قنوات والدكتور عبد العزير عثمان أشهر أقطابها ، ونظرا للعلاقة القديمة بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وعبد الغني قنوت التي تعود للصراع حول معسكرات قطنا أيد الاشتراكيون العرب حركة الرئيس حافظ الأسد عام 1970 ، وتبلور ذلك في تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية وميثاقها في آذار عام 1971 وكان الدكتور عبد العزيز عثمان وعبد الفني قنوت في قيادتها المركزية .

في مرحلة تالية تولى الدكتور عبد العزيز عثمان الأمانة العامة لحركة الاشتراكيين العرب في المؤتمر الرابع عام 1972، ونتيجة لمرضه حل عبد الغني قنوات مكانه ، لكن افتراقا حصل بين الطرفين وانكفأ الدكتور عبد العزيز عثمان مع كثيرين من الاشتراكيين العرب عن العمل السياسي إلى أن التقى مع الرئيس الرحل حافظ الأسد وطلب منه العودة للعمل كما أخبرني في حديث خاص .

لم تمهل الحياة الدكتور عبد العزيز عثمان، وإثر وفاته عقد حركة الاشتراكيين العرب مؤتمرها الخامس في حمص وانتخبت المهندس غسان عثمان أمينا عاما ، ووقتها كان هناك ازدواجية بين أتباع قنوت وأتباع عثمان نتيجة الافتراق مما يعني أن على أحدهما ان يميز اسم حزبه.

عام 2004، أقدم المهندس غسان عثمان على إقناع المؤتمر بتغيير اسم الحزب تحت عنوان تعميق رؤيته السياسية وتمتين علاقته مع الأحزاب السورية على منهجية في العمل أساسها المشاركة بفعالية في نشاطات الجبهة الوطنية واجتماعاتها والعمل على تقديم المقترحات ونقاشها في قيادة الجبهة والتأسيس لنشاطات سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية، ومنذ ذلك الوقت بدأ حزب العهد الوطني تجربته حاملا ذلك الإرث التاريخي الطويل للإشراكيين العرب الذين أصبحوا حزبين في جبهة واحدة.

اللغة الوثائقية التي استخدمتُها في نص الفيلم وصوره ووثائقه وتفاصيله هي محاولة لإقناع الآخرين أن على كل منهم أن يقدم رؤية تاريخية عبر الوسائل التوثيقية والأفلام والمؤتمرات لإيضاح خلافات ومنعطفات الحياة السياسية السورية التي هي بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى كشف الوثائق لتحديد معايير العمل السياسي الحالي والمستقبلي على أساسها.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى