الحارة الشاميّة نجمة الدراما السوريّة… لماذا؟
لطالما تغنّى السوريون بالتنوّع في مناطقهم، ومدى تمايز كلّ واحدة منها عن الأخرى. ذلك ما لم ينعكس بشكل واضح في المسلسلات التلفزيونيّة التي بقيت تجول ضمن شوارع وحارات دمشق، فيما غابت عن باقي المدن والمحافظات والبيئات. مقابل عشرات أعمال البيئة الشاميّة، تقتصر الحبكات الدائرة في مدن أخرى على أعمال قليلة، يمكن عدّها على الأصابع، في مقدّمتها مسلسلات البيئة الحلبيّة مثل «خان الحرير»، و «الثريا»، و «باب الحديد»، و «سيرة آل الجلالي»، و «باب المقام»، «كوم الحجر»، فيما كانت حصّة الساحل قليلة، بمسلسلات مثل «المصابيح الزرق» أو «ضيعة ضايعة».
يعود السبب في التركيز على دمشق إلى عامل إنتاجي. فالعمل المدرج تحت خانة الحارة الشاميّة، يحظى بطلب الفضائيّات أكثر من الأعمال الأخرى، ويتم تسويقه بسرعة، علاوة على سهولة تصويره في بيوت واستوديوهات معدّة خصيصاً، وكذلك الحصول على الديكور والملابس والإكسسوارات اللازمة له. ذلك ما يجعل العمل الشاميّ رهاناً مضموناً، مع حكايات النخوة وصراعات الخير والشرّ المرغوبة تسويقياً. كما تعدّ اللهجة الشاميّة مقبولة وبسيطة، وأسهل على الأذن العربيّة، من باقي اللهجات السوريَّة.
على المقلب الآخر، لا يمكن وصف «ضيعة ضايعة» بدراما البيئة الساحلية. فاللهجة المعتمدة فيه ليست لهجة أهل اللاذقية ولا طرطوس، بقدر ما هي لهجة منطقة تدعى الصليبة. يضاف إلى ذلك أنَّ العمل لم يتطرّق لأشكال الحياة في المدن الساحلية، بقدر ما تناول قصّة بعيدة عن تأثيرات الثورة التقنية، تصلح لأيّ مكان غير بلدة السمرا حيث تدور أحداث العمل.
من ناحية ثانية، فإنّ التجارب الدراميّة في تناول بعض البيئات العشائريّة، لم تمرّ مرور الكرام في الدراما. إذ إنّ تناول بعض البيئات في إطار واقعي يعرض سلبياتها وإيجابيّاتها، عوضاً عن التغنيّ بتاريخها ومآثرها بأسلوب شاعري، نجم عنه غضب جارف من قبل بعض أبنائها. والأمثلة على ذلك كثيرة، من ثورة العشائر على عرض مسلسل «فنجان الدم» (تأليف عدنان العودة إخراج الليث حجو؛ 2009) سواء في سوريا أو الجزيرة العربية، أو رفض العديد من أبناء جبل العرب لعرض «الخربة» (تأليف ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو؛ 2011). وذلك لا يقتصر على سوريا، إذ غالباً ما تثير دراما الصعيد المصري ضجة، كما حصل بعد عرض «شيخ العرب همام».
في المقابل، ثمّة من يقول إن وظيفة الأعمال التلفزيونيّة ليست تقديم ما يسمّى بدراما المناطق أو البيئة بالشكل الذي هو عليه اليوم. فالعمل البيئي يمكن توصيفه بالعمل المحدَّد المكان والزمان والشخصيات والعلاقات، وكلّها نقاط تحررت منها غالب مسلسلات الحارات الشامية معتمدة على مبدأ الحدوتة التي تنسحب على أي وقت وأي مكان، بل وتتجه في بعض الأحيان إلى حالة الفانتازيا والقصص الخيالية. ولعل توصيفها «بالبيئيّة» لا يعدو كونه مصطلحاً متداولاً في الإعلام، فيما يمكن أن ينطبق هذا التعريف على أعمال أخرى وثّقت التاريخ وحدَّدت الإطار التي تتحدّث عنه مثل «الحصرم الشامي» (2007)، و «طالع الفضّة» (2011)، وحتّى «حدث في دمشق» (2013)، وقريباً «حرائر» للمخرج باسل الخطيب في موسم رمضان 2015.
صحيفة السفير اللبنانية