الحارس والجسر (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ــ 1 ــ

لم يدخل أردوغان القفص كما انتظر خصومه. خرج من انتخابات البلدية جريحاً رغم الانتصار. الأحزاب تقدمت على حسابه، وهو لم يتوِّج صعوده لكنه دخل في منحنى انهيار. هذا يعني بالاضافة الى حسبة النسب المعقّدة أنه في «مرحلة مقاومة السقوط» التي يصعب التنبؤ بمداها الزمني لأنها تعتمد اساسا على قوة المنافس أو قدرته على شغل الفراغ السياسي.
هي لعبة الفراغ ذاتها التي لعب فيها أردوغان دور الملهم القادم من قلب سقوط الدولة العثمانية ليحمل الحل السحري للجمع بين الديموقراطية والاسلام/الخلافة والجمهورية/الهوية والحداثة… لكنه لأسباب متعددة، منها نزوع المغامرة، وضيق أفق المشروع، انتقل أردوغان من موقع «ساحر المستقبل» الى الخندق الأخير في مشروع «الإخوان المسلمين» بعد سقوطهم في مصر و حصار حركة حماس لنفسها في غزة واستقرار البشير عند الحافة قبل الانهيار.
هرب أردوغان من قفص نهايته لكنه انكمش الى حدود الدفاع عن مساحته في (الداخل) بعدما تحولت مغامرته في سوريا ونزقه مع مصر الى أزمة وحدها.
عودة الساحر التركي الى الداخل تقابلها هندسة جديدة للكيانات القديمة في الإقليم.

ــ 2 ــ

بيوت السلطة في العالم العربي (عائلات و مؤسسات وأحزاب…) تسير بقوة الدفع الذاتي. الدفاع عن وجودها بعيدا عن مشاريعها أو بيئتها قربا من مصالحها المباشرة، في الاستمرار و ضمان السيطرة على الموارد.
بيوت السلطة لديها حلول من فرط احتكارها للعبة وخيوطها وتفاصيلها وها هي تعاود اقامة الجسور والتحالفات لتضمن البقاء في ظل بحث قوى دولية (روسيا/الهند /الصين) عن مكان لإرادتها.
البحث هذا يتطلب عند بيوت السلطة اختيار مواقع تمترس تحمي بها الوجود، فتتحرك مصر الى موقع يتيح لها ادارة خيوط اتصال محورها: التأكيد على هزيمة المشروع «الإخواني» أو عدم السماح له بالصحوة عن طريق التحالف مع الأجنحة الجهادية والتكفيرية.
هنا سيكون الحل في سوريا عبر توافق سعودي إيراني تكون مصر صانعته (تشاركها الجزائر بشكل كبير).
هذه الطبخة تتم في ظل انشغال السعودية بصراعات خلافة الملك عبد الله، ورغبة الديبلوماسية المصرية في أن تكون هندسة موقعها في الخارج دعما لفرص السيسي في الحكم… أو ترتيباً للداخل أساساً.
هنا ستلعب مصر دور الحارس والجسر معا. حارس للخليج كما تطلب السعودية والإمارات، وجسر بين الخليج وإيران كما تتطلب ترتيبات سوريا.
هل يتحقق ذلك؟ وكيف؟

ــ 3 ــ

لا يحتضر الملك عبد الله فقط لكن «الصيغة» التي صنعت بها المنطقة توازناتها الهشّة و الصلبة. بعد مرحلة التحرر من الاستعمار أو بعد الاندماج في مشاريع استبداد محلية صرفة برعاية اميركية أو تحت ارادتها المنفردة.
الصيغة بثنائياتها: (الرجعية والتقدم) و(التحضر والبداوة) و(العروبة والطائفية) وصلت في احتضارها الى دفاع وجودي، بعد ظهور الإخوان، والصراع التركي الإيراني على القيادة، واللعب القطري في كل الاتجاهات، وعدم قدرة الرعاية الاميركية على حماية صيغتها.
الى أين تقود مقاومة الاحتضار؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى