الحرب على لبنان.. بين المنطق والمقامرة.. فشل الردع الإسرائيلي وغياب “النصر المطلق”، فالميدان في غزة بعد أكثر من ثمانية أشهر من الحرب يدلل بشكل واضح وجلي، أن “إسرائيل” وجيشها” في خضم حرب استنزاف لا أفق لها لتحقيق “النصر المطلق“.
رغم تصريح الناطق باسم “الجيش” الإسرائيلي دانيال هغاري، “أن حزب الله يصعّد هجماته ما يقودنا إلى حافة تصعيد أوسع”. فإن المستوى العسكري في “إسرائيل” في حقيقة الأمر يدرك أنه قبل الذهاب لاتخاذ قرار الحرب الشاملة على لبنان. يجب عليه إيجاد حلول للمشكلات الاستراتيجية التي ظهرت بعد السابع من أكتوبر وحرب غزة ذات الجبهات المتعددة.
الحرب على لبنان ..
وضعت تلك الأحداث أمام” الجيش” الإسرائيلي مجموعة من الإشكالات لا يمكن الذهاب إلى حرب مفتوحة مع حزب الله في الشمال من دون إيجاد حل لها مسبقاً. أهمها:
الحرب على لبنان – الإشكالات التي أمام الجيش الإسرائيلي:
أولاً، فقدان الشعور بالأمن:
إذ من أبرز ما نتج من عملية” طوفان الأقصى” يوم السابع من أكتوبر 2023م، وما تلاها من حرب غزة متعددة الجبهات، فقدان المجتمع الإسرائيلي شعوره بالأمن. فقد أجرت لجنة الأطباء لحقوق الإنسان الإسرائيلية استطلاعاً للرأي شمل 500 من البالغين الإسرائيليين فوق 18عاماً. فكانت النتائج أن 51% من المستطلعين يشعرون باليأس بسبب الوضع الأمني. و50% يشعرون بالخوف والهلع. و34% يشعرون بالاكتئاب. كما و37% يعتقدون أن الحكومة لا يمكنها توفير الأمن والأمان لهم بشكل عام. و65% من المستطلعين يخشون على أمنهم بدرجة كبيرة جداً إلى متوسطة. وتركزت المخاوف الكبرى لدى المستطلعين من العمليات الفدائية بنسبة 68% ومن خطر صواريخ المقاومة بنسبة 62%
ينعكس بالتأكيد فقدان الشعور بالأمن سلباً وبقوة على حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وقدرتها على الصمود والثبات. خاصة أن تجربة الحرب في غزة أثبتت أن زمن الحروب الإسرائيلية السريعة والخاطفة انتهى إلى الأبد. فـ “الجيش” الإسرائيلي منذ أكثر من ثمانية أشهر غارق في غزة يبحث عن تحقيق النصر الحاسم المفقود وغير الممكن. الأمر الذي دفع بعضاً من الإسرائيليين إلى التساؤل كم من الوقت يحتاج “الجيش” الإسرائيلي المنهك في غزة لتحقيق النصر الحاسم مع حزب الله على الجبهة الشمالية؟ وهل ستستطيع الجبهة الداخلية التي تعاني من أزمة فقدان الشعور بالأمن الثبات في هذه الحرب؟ أسئلة صعبة ومعقدة ولكنها مصيرية مرتبطة بوجود المشروع الصهيوني برمّته في المنطقة. يجب الإجابة عنها قبل الذهاب إلى حرب مع حزب الله.
ثانياً، فشل الردع الإسرائيلي وغياب “النصر المطلق”:
فالميدان في غزة بعد أكثر من ثمانية أشهر من الحرب يدل بشكل واضح وجلي. أن “إسرائيل” وجيشها” في خضم حرب استنزاف لا أفق لها لتحقيق “النصر المطلق”. ذلك المصطلح الذي يكرره نتنياهو تقريباً في كل خطاباته وتصريحاته وظهوره الإعلامي. لدرجة أنه بات محل تندر وفكاهة داخل المشهد السياسي الإسرائيلي، لسبب واحد ووحيد أنه هدف غير قابل للتطبيق على أرض الواقع.
فكما فشلت “إسرائيل” في ردع المقاومة من القيام بعملية السابع من أكتوبر قبل الحرب، تفشل رغم الدمار الهائل وحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، في ردع الشعب والمقاومة في غزة، من استمرار خوض معاركها الاستنزافية ضد” الجيش” الإسرائيلي. وفشلت في منع حزب الله ومحور المقاومة من مساندة الشعب الفلسطيني والسير معه على طريق القدس على مدار أكثر من ثمانية أشهر من عمر الحرب حتى الآن.
في ظل تلك المعطيات، طالب رئيس عمليات ” الجيش” السابق الجنرال غيورا ايلاند القيادة الإسرائيلية بالاعتراف بعدم قدرته على ردع حزب الله وإخضاعه، كتنظيم مقاوم ذي مواصفات خاصة، إذ إنه ليس من الجيوش الكلاسيكية ولكنه يمتلك قدرات عسكرية وهيكلية أكبر من التنظيمات ذات الطابع العصاباتي.
حل للمعضلة الإسرائيلية
ولذلك، يحاول أيلاند تقديم حل لهذه المعضلة الإسرائيلية، من خلال نازيته التي تربى عليها داخل صفوف” الجيش” الإسرائيلي ومراكز أبحاثه. ويقترح توجيه الحرب والدمار تجاه لبنان كدولة ومواطنين وبنى تحتية. لتكرر “إسرائيل” حرب الإبادة الجماعية في غزة هذه المرة في لبنان. لتشكيل ضغط لبناني داخلي على حزب الله وتحميله مسؤولية الدمار أيضا. متناسياً تجربة الشعب اللبناني والتفافه التاريخي حول المقاومة عام 2006م. كما ومتجاهلاً تجربة الشعب في غزة . حيث لم تجد “إسرائيل” وأجهزتها الأمنية أي جهة فلسطينية ممكن أن تتعاون معها خارج الموقف الوطني الفلسطيني. أضف إلى ذلك. هل سيبقى العالم صامتاً تجاه “إسرائيل” الكيان المارق الخارج عن القانون الدولي والإنساني، ويمنحها الوقت الكافي لفعل إبادة جماعية ثانية في لبنان؟
والأهم. هل ستقبل الولايات المتحدة الأميركية لـ “إسرائيل” تحت قيادة حكومة بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سيموتريتش الذهاب إلى هذه الحرب. التي من المؤكد أنها ستتحوّل إلى حرب إقليمية كبرى. ستورط الولايات المتحدة الأميركية تحت أي إدارة للبيت الأبيض كانت جمهورية أم ديمقراطية في مستنقعات الشرق الأوسط مجدداً. بعكس استراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن ومن قبله الرئيس السابق دونالد ترامب من تخفيف الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وتشكيل حلف عربي- إسرائيلي تحت قيادتها للحفاظ على مصالحها ومشاريعها الجيو اقتصادية كدولة عظمى مسيطرة على الخريطة الدولية. لكن العقبة الرئيسية أمام المخطط الأميركي تتمثل في حكومة نتنياهو وحلفائه.
ثالثاً، قدرات حزب الله الهجومية:
إذ أثبت حزب الله خلال شهور الحرب الثمانية على الجبهة الشمالية، أنه يستخدم استراتيجية الكشف المتدرج عن إمكاناته العسكرية، التي أبقى غالبيتها خارج إطار الاستخدام العسكري في هذه المرحلة القتالية. مع إدخال بعض الأسلحة الجديدة والمتطورة للخدمة القتالية بما تتطلبه طبيعة المعركة وأهدافها التكتيكية والاستراتيجية العسكرية والسياسية. وفي المقابل، تفاجأت “إسرائيل” بأن قدراتها الدفاعية ليست جاهزة لمواجهة الأسلحة الهجومية لحزب الله، وفي مقدمتها سلاح المسيرات الذي بات في ” إسرائيل” يطلقون عليه “سلاح الجو لحزب الله”، في مفاجأة استخبارية لا تقل أهمية عن فشل الاستخبارات الإسرائيلية في تقدير خطورة صواريخ حزب الله في حرب تموز 2006م، ولذلك تنصب جهود “الجيش” الإسرائيلي في فترة حرب الاستنزاف الحالية مع حزب الله على محاولة تدمير قدرات حزب الله الهجومية، وقد بات واضحاً أنها تجد صعوبة في تحقيق ذلك.
ومن الجدير بالذكر، أن المنطق يقول إن المشكلات الثلاث الرئيسية السابقة، ليس بقدرة” إسرائيل” وقيادتها الحالية إيجاد حلول ناجعة لها، خاصة إذا أضيف إليها العديد من الإشكالات الداخلية وفي مقدمتها غياب الثقة بين المستوى السياسي والعسكري داخل “إسرائيل” ناهيك بالإشكالات الخارجية وفي مقدمتها عزلة “إسرائيل” ونبذها دولياً، الأمر الذي يجعل من ذهاب “إسرائيل” إلى حرب مع حزب الله في الشمال مقامرة خطيرة من قبل من سيتخذ قرار الحرب في الجانب الإسرائيلي، وكما قال الجنرال السابق في “الجيش” الإسرائيلي اتسحاق ابريك إن ” أي قرار من نتنياهو لمهاجمة حزب الله سيجلب محرقة على إسرائيل”.
الميادين نت