الحسابات الخاطئة تكرر السيناريو الأفغاني في الثمانينات بانتظار نتائجه المدمرة سياسة الغرب في سوريا تواجه الغرق (باتريك كوكبرن)

 

باتريك كوكبرن

جاء الإفلاس النهائي للسياسة الأميركية والبريطانية في سوريا، أخيراً، مع اجتياح «الجبهة الإسلامية» مقر قيادة المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر في باب الهوى، على الجانب السوري من الحدود مع تركيا. والجيش السوري الحر، جنباً إلى جنب مع الائتلاف الوطني السوري، فقدا مصداقيتهما من منظور البعض…
وهما الجماعتان اللتان تظاهرت الولايات المتحدة وبريطانيا لسنوات بأنهما في قلب المعارضة العسكرية والسياسية السورية. وما تبقى من مقاتلي الجيش السوري الحر في حالة فرار، أو غيروا مواقفهم، أو يكرسون كل جهودهم للنجاة بأنفسهم من هجوم المتشددين، أو الألوية المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وقد أوقفت الولايات المتحدة وبريطانيا تسليم مساعدات غير قاتلة إلى مستودع الإمدادات في باب الهوى، فيما يجري استيعاب الآثار المترتبة على الكارثة. وأغلقت تركيا الحدود، حيث تسيطر الآن الجبهة الإسلامية على الجانب الآخر. أما ما يسمى الجناح المعتدل في الانتفاضة السورية فتأثيره محدود جداً، لكن واشنطن ولندن مازالتا تحضان ممثلي هذا الجناح على حضور مؤتمر السلام في جنيف في 22 يناير، للتفاوض على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة.

الهزيمة الأخيرة

والارتباك حيال ما يحدث هائل للغاية إلى درجة أن القادة الغربيين يفترض أن يدفعوا ثمناً سياسياً في بلادهم أكبر مما قد يدفعونه على إخفاق سياستهم في سوريا.
لكن تجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر هما الأشخاص ذاتهم الذين توجهت من أجلهم الولايات المتحدة وبريطانيا للحرب في أغسطس الماضي، باعتبارهم مرشحين للحلول محل الأسد في السلطة في دمشق. والهزيمة الأخيرة تظهر كم كان محقاً الرأي العام في كلا البلدين برفض التدخل العسكري.
من هم الفائزون في الوضع الجديد؟ أحدهم هو الأسد لأن المعارضة ضده، والتي بدأت كانتفاضة شعبية ضد دكتاتورية قاسية وفاسدة وقمعية في عام 2011، أصبحت حركة مشرذمة ومجزأة تهمين عليها منظمات تحت مظلة تنظيم القاعدة، الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وأخرى لها حقوق امتياز تنظيم القاعدة، وهي جبهة النصرة، والجبهة الإسلامية التي تتألف من 6 إلى 7 تشكيلات عسكرية كبيرة يقدر عددها بـ50 ألف مقاتل، تجمعها الأيديولوجية المتطرفة.
ويرى البعض أن هذا التحالف، قادر على مقاتلة القوات المؤيدة للأسد، إلى جانب الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.
وتم تهميش المعارضة القديمة المعتدلة حسبما يفترض. وهذه المعارضة كانت خطتها منذ عام 2011 فرض تدخل عسكري غربي واسع النطاق كما كان الحال في ليبيا عام 2011، وعندما لم يحدث ذلك، فإن تلك المعارضة كانت تفتقر إلى استراتيجية بديلة.
ولم يبق لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا خيارات كثيرة باستثناء محاولة السيطرة على هذا «المسخ المتشدد» الذي ساعدت على إيجاده في سوريا، والذي بات يسهم الآن في زعزعة استقرار العراق ولبنان.
وقد تندم تركيا سريعاً على منحها حرية المرور لأعداد كبيرة من المتشددين في طريقهم إلى سوريا. ويمكن أن تغلق أنقرة حدودها مع سوريا الممتدة على طول 500 ميل، أو تعمل على التدقيق بكل الذين يعبرون. لكن السياسة التركية في سوريا والعراق كانت مختلفة بدرجة كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة إلى درجة أنه قد يكون فات الأوان لتصحيح عواقب إقناع نفسها خطأ بأن الأسد سيسقط.

تكرار الأخطاء

ويبدو أن مؤتمر «جنيف 2» للسلام حول سوريا سيولد ميتاً. كما أن الجيش السوري الحر ونظيره المدني، في حدود ما مثله كل منهما في سوريا في أي وقت مضى في السابق، لم يعودا كذلك الآن.
وتهيمن على المعارضة المسلحة ألوية إسلامية من جهة، وأتباع لتنظيم القاعدة من جهة أخرى. وكل ما أنتجته الحسابات الخاطئة لأميركا وبريطانيا وفرنسا في سوريا يتمثل في تكرار السيناريو الأفغاني في ثمانينات القرن الماضي، وإيجاد حالة حيث العواقب المدمرة من جرائها لم تظهر بعد. ومع إدراك المتشددين في سوريا أنهم لن يفوزوا في الحرب، فإنهم قد يتطلعون إلى أهداف أقرب إلى الديار.

صحيفة البيان الأماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى