تحليلات سياسيةسلايد

“الحكمة والإنجازات” استراتيجية مسرور بارزاني في مواجهة مناورات بغداد

تواجه حكومة إقليم كردستان العراق مناورات الحكومة الاتحادية في الملفات الخلافية، بالحكمة والإنجازات فعلى الرغم من الأزمات المالية المتكررة، تمكن الإقليم من الصمود اقتصاديا إلى حد ما، لكن حكومة الإقليم لم تخف مدى تأثير مماطلة بغداد في صرف رواتب موظفي الإقليم، على الوضع الاجتماعي والقدرة الشرائية لمواطنيها.

وتتبنى حكومة الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي استراتيجية متعددة الأوجه في التعامل مع الحكومة الاتحادية في بغداد، خاصة في الملفات الخلافية مثل الميزانية والرواتب وإدارة النفط، فهي تحاول الموازنة بين الحفاظ على حقوقها الدستورية، ومواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها الحكومة الاتحادية والأطراف السياسية التي من مصلحتها تأجيج الوضع الاجتماعي في الإقليم والدفع به نحو الفوضى لحسابات سياسية.

وتعتبر حكومة الإقليم الحوار الدبلوماسي والمفاوضات المستمرة مع بغداد هي السبيل الأساسي لحل المشاكل العالقة. وقد أرسلت وفودا رفيعة المستوى بشكل متكرر إلى بغداد لمناقشة القضايا المالية والاقتصادية، مؤكدة على ضرورة بناء شراكة بناءة ومستقرة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الهادف، مع فهم واضح لحقوق وواجبات الطرفين.

ويتمسك رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بأن الدستور العراقي هو الفيصل في المفاوضات، مؤكدا على حقوق الإقليم ومستحقاته الدستورية، معتبرا أن أي إجراءات من جانب بغداد لا تلتزم بالدستور هي غير شرعية.

وتطالب حكومته بتطبيق عادل لبنود الدستور، خاصة في ما يتعلق بتوزيع الثروات وصلاحيات الأقاليم.

وفي مواجهة اتهامات بغداد بعدم الشفافية في الإيرادات، تحاول حكومة الإقليم تقديم بيانات مفصلة حول إيراداتها ونفقاتها. على سبيل المثال، قامت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الإقليم بترجمة بيانات الميزانية إلى اللغتين العربية والإنكليزية وتقديمها لممثلي الدول المشاركين في الاجتماعات الدولية.

وفي ظل تأخر أو حجب الرواتب من بغداد، تسعى حكومة الإقليم إلى إيجاد حلول داخلية للتخفيف من الأزمة المالية، مثل محاولة تأمين الإيرادات الذاتية وتطبيق إجراءات لخفض النفقات لضمان دفع الرواتب قدر الإمكان.

وتؤكد على أهمية استئناف تصدير النفط من الإقليم بأسرع وقت ممكن لتوفير الإيرادات اللازمة.

وتعتبر أن الرواتب حق دستوري للموظفين، مشددة على ضرورة فصل هذه القضية عن الخلافات السياسية الأخرى.

وعلى الرغم من التحديات، تمكنت حكومة الإقليم من التوصل إلى اتفاقيات مع بغداد، كان آخرها الاتفاق الذي أدى إلى صرف رواتب شهر مايو 2025. وهذه الاتفاقيات، وإن كانت غالبًا ما تكون مؤقتة أو تواجه صعوبات في التطبيق، إلا أنها تمثل إنجازًا في ظل التعقيدات السياسية.

وعلى الرغم من التوترات، لم ينقطع خط الحوار بين أربيل وبغداد بشكل كامل، مما يترك الباب مفتوحًا أمام الحلول المستقبلية.

ولا شك أن الخلافات بين بغداد وأربيل، خاصة حول الملفات المالية، لها أبعاد سياسية عميقة. واتهام أوساط كردية للحكومة الاتحادية بأنها “تصنع المآسي” لحسابات سياسية وانتخابية تعبير عن الإحباط والاحساس بالظلم الذي يشعر به سكان الإقليم نتيجة للوضع الاقتصادي المتدهور، بغض النظر عن النوايا المعلنة من جانب “الاتحادية”. وهذا الواقع المعقد يبرز الحاجة إلى حلول سياسية مستدامة تتجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة وتضع مصالح المواطنين في المقام الأول.

وترى بعض القراءات أن الحكومة الاتحادية تستخدم قضية الرواتب كأداة ضغط لإضعاف حكومة إقليم كردستان وإجبارها على التنازل في قضايا أخرى، مثل إدارة النفط والسيطرة على الحدود. وقد يكون الهدف إظهار حكومة الإقليم بمظهر العاجز عن تأمين رواتب موظفيها، مما يقلل من شعبيتها، لكن الانجازات التي حققتها حكومة مسرور بارزاني قوضت إلى حدّ كبير تلك المساعي.

وتحاول بعض القوى السياسية في بغداد إظهار موقف حازم تجاه إقليم كردستان لكسب تأييد الناخبين في المحافظات الوسطى والجنوبية، الذين قد يرون أن الإقليم يحصل على امتيازات غير مستحقة رغم أنها امتيازات ومكاسب يكفلها الدستور العراقي ونص عليها صراحة.

ورغم التأييد الذي أبداه الإطار التنسيقي وهو الإطار الجامع للقوى الشيعية النافذة والموالية لإيران، للاتفاق بين بغداد وأربيل حول إيرادات النفط وصرف رواتب موظفي الإقليم، فإنه لا يبدو لذلك الموقف تأثيرا بما يعجل بحل الأزمة وهو موقف يراها البعض أقرب لـ”رفع العتب” وإظهار أن الإطار متناغم مع الحلول التوافقية ولا يعرقل جهود حلحلة الأزمة.

وحتى لو لم تكن نية الحكومة الاتحادية الأساسية ارباك الوضع في إقليم كردستان، فإن التعقيدات البيروقراطية والتأخير في تنفيذ الاتفاقيات وغياب الثقة بين الطرفين، يمكن أن يؤدي إلى نفس النتائج المدمرة على حياة المواطنين الكرد.

وغالبًا ما تدافع الحكومة الاتحادية عن موقفها بالقول إنها تطبق القانون والدستور وتطالب إقليم كردستان بالالتزام بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية المتفق عليها كشرط لدفع الرواتب. وتشدد على أن الهدف هو ضمان العدالة والتوزيع العادل للثروات على جميع العراقيين.

لكن محاولة تسويق هذه الرواية لا يستند إلى الواقعية ويتناقض مع ممارسات الحكومة الاتحادية على الأرض، ولا يخرج وفق الكثير من المحللين عن سياق المناورة والمماطلة لكسب الوقت بما يتيح إبقاء الإقليم وحكومته وشعبه تحت مقصلة الضغوط لإجباره على تقديم تنازلات كمن يفرط في حقوقه الدستورية “كرها” تحت وطأة النتائج المأساوية لتلك الضغوط.

وتدهور الوضع الاجتماعي في إقليم كردستان نتيجة لعدم صرف بغداد لرواتب موظفي الإقليم هو بالفعل قضية رئيسية وإنسانية، فمئات الآلاف من موظفي القطاع العام والمتقاعدين في إقليم كردستان يعتمدون على تلك الرواتب كمصدر دخلهم الرئيسي. ويؤدي حجب الرواتب إلى صعوبات مالية كبيرة لهم ولعائلاتهم، مما يؤثر على قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والإيجار والرعاية الصحية.

وعندما لا يتم دفع رواتب الموظفين في قطاعات مثل التعليم والصحة، يتأثر أداء هذه القطاعات بشكل مباشر. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إضرابات أو انخفاض جودة الخدمات، مما يؤثر على جميع سكان الإقليم.

وتشكل رواتب القطاع العام جزءا كبيرا من القوة الشرائية في إقليم كردستان. ويؤدي توقف أو تأخر دفعها إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، مما يضر بالأسواق المحلية والشركات الصغيرة والاقتصاد بشكل عام.

وقد يضطر الأفراد إلى البحث عن مصادر دخل بديلة، وقد تزداد معدلات الفقر والبطالة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

ويمكن أن يؤدي اليأس والإحباط الناتج عن الوضع المالي إلى احتجاجات واضطرابات اجتماعية، حيث يطالب الناس بحقوقهم وبتوفير سبل العيش الكريم وهو أمر تدفع إليه بقوة أطراف سياسية نافذة في بغداد لحسابات سياسية خاصة ولمصالح ضيقة.

ولطالما كان هذا النزاع حول الرواتب مصدر توتر بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان وقد أثر بشكل كبير على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الإقليم على مدى السنوات الماضية.

وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة وصرف بعض الرواتب مؤخرًا (مثل رواتب مايو 2025)، إلا أن الحاجة إلى حل دائم ومستقر لهذه القضية تظل حاسمة لتجنب المزيد من التدهور الاجتماعي

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى