نشر موقع والاه العبري يوم امس عنوانا يقول: من المستغرب حتى اللحظة انه لا يوجد أي تعليق من قبل الحكومة السورية الجديدة على عمل سلاح الجو الإسرائيلي في الأراضي السورية وكذلك المناورات البرية هناك. ليثير صمت الإدارة الجديدة في سورية عن الانتهاكات الإسرائيلية تساؤلات كثيرة وانتقادات، وربما توقعات لما سيكون عليه موقع سورية القادم في الإقليم وتموضعها، والسياسية الخارجية التي سوف تعتمدها.
كان شن إسرائيل حربا من طرف واحد في الأيام التي تلت سقوط النظام في سورية وتدميرها كل القدرات العسكرية والاستراتيجية والحيوية واحتلالها أجزاء مهمة وواسعة من الجنوب السوري، بينما الشعب السوري يحتفل ويرقص بالساحات ابتهاجا بالتغيير، مشهدا سورياليا، ولقطة تاريخية لن تمحى في ذاكرة التاريخ المعاصر.
لكن حسب متابعة “راي اليوم” لمعرفة أسباب صمت الإدارة السورية الجديدة على الغارات الإسرائيلية التي لا تتوقف بينما الأسد اصبح خارج السلطة، والقوات الإيرانية وقوات حزب الله لم تعد موجودة في سورية، تبين ان الإدارة الجديدة للبلاد تم نصحها وبشكل مشدد من الراعية الإقليمية تركية، ان لا تتحدث عن السياسية الخارجية الجديدة للبلاد تجاه أي دولة، وان المرحلة للتركيز على الوضع الداخلي وانتقال السلطة، والعمل على تثبيت الاستقرار وعدم حصول أي تجاوزات تغير المسار.
ويعتقد قادة البلاد الجدد ان القصف الإسرائيلي وتدمير قدرات الجيش السوري والبلاد، هي تبعات تلقى على عاتق الأسد والحقبة السابقة، فقيام الرئيس بالهرب دون أي ترتيبات في هياكل الحكم، ترك الجيش يحل نفسه بنفسه بشكل فوضوي وعشوائي ما ترك البلاد فريسه لإسرائيل التي استسهلت استهداف القدرات والمواقع والأسلحة، باختصار لا تريد الإدارة الجديدة تحمل جريمة اقترفها الأسد بنفسه وعن عمد كما تعتقد. لكن اشاحة الوجه عن أفعال إسرائيل بات يحرج الإدارة الجديدة، كما يحرج تركية الراعية لها، امام الشعب السوري وشعوب المنطقة، مع بروز اراء بدأت تشير الى ان إسرائيل تتصرف ضمن اتفاق جرى، ساعدت فيه إسرائيل في هجمة سقوط الأسد بالضربة القاضية.
لذلك بدأ مسار الصمت يتغير، وبدأت الأصوات ترتفع من داخل الحكم الجديد وخارجه، لتحديد موقف مما تقوم به إسرائيل، وأول خطوة علنية جاءت من بعثة سورية في الأمم المتحدة اذ طالبت الحكومة السورية المؤقتة مجلس الأمن الدولي بالتحرك لإجبار إسرائيل على الوقف الفوري لهجماتها على الأراضي السورية والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها، في انتهاك لاتفاق فض الاشتباك المبرم عام 1974.
وفي رسالتين متطابقتين إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حصلت عليهما وكالة أسوشيتد برس أمس الجمعة، قال سفير سوريا لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك إنه يتصرف بناء على تعليمات من حكومته لتقديم هذه المطالب.
وكتب الضحاك أنه “في الوقت الذي تشهد فيه الجمهورية العربية السورية مرحلة جديدة من تاريخها يتطلع فيها شعبها إلى إقامة دولة حرية ومساواة وسيادة القانون وتحقيق آماله في الرخاء والاستقرار توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق إضافية من الأراضي السورية في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة”.
وقالت “أسوشيتد برس” إن هذه على ما يبدو هي الرسالة الأولى الموجهة إلى الأمم المتحدة من الحكومة السورية المؤقتة
ومن جانبه ندد وزير الدفاع التركي يشار غولر بالهجمات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال إن إسرائيل “تتصرف الآن بطريقة انتهازية، لتخلق حالة عدم استقرار جديدة”.
ودعا غولر في كلمة ألقاها خلال مناقشة ميزانية وزارته في البرلمان التركي- المجتمع الدولي إلى “دعم العملية التاريخية التي فُتحت فيها نافذة فرص مهمة في سوريا”، وعدم التزام الصمت إزاء ممارسات إسرائيل. وأضاف أن ممارسات إسرائيل تمثل الانعكاس الأكثر وضوحا “لعقليتها الاحتلالية”.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قال في وقت سابق إن أنقرة وجهت رسالة إلى إسرائيل “للكف عن الاستفزاز والاحتلال في سوريا، وحذرناها من خطورة ذلك”.
في هذا الوقت الحساس في تاريخ سورية، وما تشهده من تغيير لابد من ان يدرك من يسيطر على الحكم في سورية اليوم، او من سيمسك بالحكم لاحقا بانتخابات او من دونها، ان قضية الجولان السوري المحتل لا يمكن لاي سلطة او حكم في سورية ان يتجاوزها، وانها معيار الشرعية الشعبية والتاريخية. وان كان لازال من المبكر جدا الحديث عن توجهات الحكم الجديد في البلاد في قضايا السياسية الخارجية والعلاقات الدولية، فان قضية الجولان وقضية فلسطين ستكون حاضرة، بل هي المعيار، ولا مجال لاي حكم في سورية التفكير في التطبيع مع إسرائيل بتجاوز هذه الثوابت.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية