الحلّ السوريّ الصعب.. من بوابة الأسد

للتوقعات سلطة النبوءة. ولكل نبوءة مَن يصدقها ويروّج لها: سوريا على أبواب الحل.. أو الحرب مرة أخرى.

بعد الطلعات الجوية الروسية وقصفها مواقع «داعش» وجبهات «المعارضة السورية المسلحة»، انقسمت التوقعات بين مَن يرى أن الحرب الروسية هي مفتاح الحل، وبين مَن توقع أن تذوق روسيا ما تذوّقته في أفغانستان، يوم كانت سوفياتية.

وبعد لقاء بوتين ـ الأسد في موسكو، رجّحت التوقعات اقتراب الحل. فالمدعوون إلى فيينا سيكتبون السطر الأول بعد تصريحات وتلميحات وأقوال متناقضة، حول مآلات الأسد في الحل. وإذ بدا بعد اللقاء أن عقدة الأسد معقّدة جداً، فهي تحتاج إلى جولات من القتال الصارم ومن المراوحة في التفاوض. فلا السعودية في وارد القبول بالأسد، في الحل وبعد الحل، ولا تركيا في وارد التسليم ببقاء الأسد لأكثر من أشهر، ولا الولايات المتحدة في صدد التساهل مع حل يُفضي في النهاية إلى تجريد الأسد من صلاحياته أولاً، ثم من سلطته نهائياً…

هذه عقدة مزمنة. كانت عقبة في «جنيف واحد» و«جنيف اثنين»، وتتطلّب زمناً غير قصير لحلها، إما تفاوضياً أو عسكرياً، أو بالاثنين معاً. فإما يبقى، أو يرحل. وفي الحالتين، تكون سوريا قد اقتربت من العصر الحجري. وهذا ما يعنيه كلام الأسد عن دمار المنطقة بكاملها.

جيريمي شابيرو، مدير الأبحاث الدولية في «مركز بروكينز» الأميركية، يرى أن «موسكو لا تملك استراتيجية لإنهاء الحرب في سوريا ولإيجاد حل سياسي». موسكو تحدّثت عن حل سياسي ليس في اليد. الأسد قبل بحل سياسي يشارك فيه السوريون، وليس في جعبته خطوة واحدة. الحل، لم يوضع بعد على طاولة التفاوض، طالما لم تبت بعد عقدة بشار الأسد. التصلب هو القاعدة، فيما الليونة التي طالب بها بوتين تحتاج إلى «مطرقة» جوية والتحام ميداني.

يؤكد شابيرو أن الولايات المتحدة لم تتلكأ في سوريا بسبب ضعفها، فهي ما تزال العقدة الأقوى بما لا يقاس مع أي دولة، بما فيها روسيا. لكنها رفضت أن تزج بكل ثقلها العسكري لأنها مدركة تماماً أنها معركة خاسرة. والروس من جهتهم يعرفون أن انتصاراً عسكرياً في سوريا مستحيل، ولهذا استعجلت موسكو الحديث عن حل سياسي، لم تتوفر عناصر النجاح فيه بعد. فلا الأطراف الدولية المشاركة في الحرب على الإرهاب، ولا الدول الإقليمية موافقة ومتفقة في ما بينها على الجلوس معاً إلى طاولة واحدة. فالسعودية لا ترى دوراً لإيران. يُضاف إلى ذلك، أن معظم ما يمكن تصوّره من حظوظ الحل، ولا يتوفر فيه حضور الطرف السوري المتمثل بالرئيس السوري بشار الأسد هو محض عناد. فمَن يقبل من كل الجهات المعارضة، في الداخل أو في الإقليم، أن يجتاز أرض العداء ويجلس إلى مائدة الحلول؟ وهل يقبل الأسد بأن يكون في سوية سياسية مع أطراف سورية معارضة؟ وأسئلة أخرى صعبة لا تجد جواباً يُفضي إلى مصافحة أولاً وتوقيع أخيراً.

أميركا لم تنسَ بعد خسارتها في العراق. لقد ربحت الجيوش الأميركية معارك العراق كلها، وأطاحت بالديكتاتورية، لكنها خرجت من الحرب ضعيفة بشكل دراماتيكي. أما العراق، فقد تركته لمصيره، ألعوبة بين الطوائف والمذاهب والقوميات، ومسرحاً لـ «داعش» العظمى، التي سجلت بجدارة التوحش قدرتها على إلغاء الحدود وتدمير الأنظمة وتفكيك المجتمعات وتهديد العالم، بدوله كافة، دولة بعد دولة. آخرها كانت تركيا، التي زوّدتها ببركاتها العسكرية والعثمانية.

قد يكون مصير المعارك الروسية الجوية، مدعومة بمعارك برية، خسارة لروسيا إن لم تحظ بحل للأزمة يرضي الأطراف الداخلية والخارجية معاً. وبلوغ هذا الحل ليس صعباً فقط، بل يبدو بعيداً وفائق الصعوبة. إنه ليس مستحيلاً، إنما سيكون حصوله أسوأ من المستحيل. فمن يضمن حلاً سياسياً لسوريا، ومن يؤمن سلامة الانتقال من الحرب إلى السلم؟ أي جيش سيتولى رعاية الحل؟ «قوات ردع عربية»؟ لا بحث في هذا المجال. «قوات ردع دولية»؟ لا يتجرأ أحد على إرسال جندي غربي إلى الميدان. قوات سورية يُعاد بناؤها؟ لم يحصل ذلك بعد، والتجارب دامغة، في ليبيا والعراق.

تونس نجت من الفوضى. الجيش فيها مؤسسة مستقلة عن السياسة. لعب الجيش دور الحارس للثورة، والحارس للمرحلة الانتقالية. سلمت تونس، لسلامة جيشها من لوثة السلطة والتسلط والسياسة.

مصر، نجت نسبياً من الفوضى. لم يتعرّض جيشها لصدمة تسيء إلى بنيته ووحدته. حرس الشرعية إلى أن لفظت أنفاسها. تولى المرحلة الانتقالية التي أنجبت سلطة «الإخوان» الاستئثارية. انقلب عليها بحجة «الشرعية الشعبية»، ثم تولى السلطة لاغياً «ربيع مصر» و«خريف الإخوان». نجت الدولة بعودة العسكر ومرت الثورة.

ليبيا لم يبق عندها جيش. سقط القذافي ولم تنجُ ليبيا. وهي اليوم تدخل عامها الرابع والفتنة المتعددة تقتلع الحياة منها. العراق لم يترك بريمر جيشه حياً، بل سرّحه. وها هو اليوم، تقريباً، بلا جيش يحميه. سقط من دون معارك في مواجهة «داعش». وإعادة بنائه مشكوك فيها لطغيان الأحقاد المذهبية والطائفية…

أي جيش في سوريا سيواكب الحل؟ لعل سؤال الجيش يلي سؤال مصير الأسد. ما يزال الشوط في أوله. الحرب وحدها هي المؤكدة. التدخل الروسي أنعشها، وأنعش آمالاً فائقة الصعوبة. لذا، اتجهت أميركا والسعودية وقطر إلى تسليح المعارضة المسلحة بسخاء نوعي، لوقف الزحف الجوي الروسي. لقد هزم السوفيات في أفغانستان بالسلاح الأميركي و«المجاهدين» الإسلاميين. هل تتكرّر المأساة مرة أخرى؟

من عادتها أن تتكرّر لأكثر من مرة. بكل أسف.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى