الحل الأخير.. هل ستُعيد إسرائيل احتلال غزة؟
بعد فشل سياسة الصواريخ والقصف العنيف المتكرر والحصار الخانق والتجويع، وقتل الحياة بالضغط على السكان من كل جانب، تعالت الأصوات داخل إسرائيل إلى استخدام طريقة “قديمة-جديدة” علها تنجح في إخضاع قطاع غزة، والسيطرة على مقاومته التي طالما شكلت نقطة إحراج كبيرة للمنظومة السياسية والأمنية لدى الاحتلال.
الأصوات داخل دولة الاحتلال بدأت تتصاعد وتنادي بكل قوة هذه المرة، لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل وفرض الحكم والسيطرة العسكرية عليه، رغم احتفال الفلسطينيون قبل أيام قليلة في غزة، بإحياء الذكرى الـ16 بانسحاب أخر جندي ومستوطن من القطاع.
آخر تلك الأصوات كان العميد احتياط، أهارون ليبران، أحد كبار قادة شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقا، الذي قال، إن “حماس والجهـاد ليستا خائفتين من القصف الإسرائيلي، ولا يبدو أن الغارات الجوية التي يشنها الجيش رداً على استفزازات حمـاس تؤثر عليها”.
وأضاف ليبران في تصريحات له عبر صحيفة “يسرائيل هيوم”: “حماس والجهاد تدركان أيضا أن إسرائيل وجيشها يخشيان تنفيذ عملية برية كبيرة في قطاع غزة، خشية فقدان جنود إسرائيليين، فلا عجب إذا من جرأة الحركتين على فرض الأحداث متى وكيف وأينما تشاءان”.
وفي السياق ذاته، أكد ليبران، أن حركة حماس لا تخشى كثيرا، جولات الحرب المتكررة، على الرغم من الأضرار والخسائر التي لحقت بها، فهي تدرك وتستمد قوتها من حقيقة أن إسرائيل تخشى باستمرار التصعيد.
وقال العسكري الإسرائيلي: “هكذا تمسكت إسرائيل بحالة عبثية من تآكل الردع، ومواجهة مرهقة لم تشهد لها نهاية، وتخللها لحظات من الفشل والاكتئاب، وبالتالي يجب على الجيش أن يجد ويبتكر طرقًا لحماية الحدود”.
وأضاف: “في نهاية المطاف، قد لا يكون هناك مفر من احتلال قطاع غزة، للقضاء على القوة العسكرية هناك، فالبعض يتلاعب بفكرة تسوية وتهدئة طويلة الأمد مع حماس، لكن ليس لدى إسرائيل بديل استراتيجي حقيقي كهذا، خاصة أن الـDNA لحمـاس هو حرب استنزاف وإزالة إسرائيل من الخريطة”.
وسبق العميد ليبران في الدعوة لإعادة احتلال غزة، وزير النقل والمواصلات السابق، ورئيس “اتحاد أحزاب اليمين” بتسلئيل سموتريش، حين قال “إنه يجب أن نعود إلى قطاع غزة ونتحمل المسؤولية هناك”، مضيفًا وفق القناة العبرية السابعة: “عندما طردت من منزلي في غوش قطيف، صفق الناس في المقاهي في تل أبيب، وأولئك الذين يريدون السلام والهدوء والأمن يجب عليهم أن يسيطروا على القطاع” حسب تعبيره.
وبين أنه لا توجد طريقة أخرى سوى أن “نكون على الأرض”، “علينا العودة إلى قطاع غزة وتحمل المسؤولية والعودة إلى غوش قطيف وتعزيز المستوطنات في الضفة”.
كما هدد بيني غانتس وزير الجيش الإسرائيلي، صراحةً بإعادة احتلال غزة، حين صرح بان بلاده ستحتل غزة إذا اضطرت يوما ما لفعل ذلك، وبحسب تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية “كان” أضاف: “غزة لن تذهب إلى أي مكان، ونحن بالتأكيد لن نذهب إلى أي مكان”، مشددا على أنه “إذا اضطررنا يومًا ما إلى احتلال غزة، سنفعل ذلك”.
وبخصوص “إمكانية القضاء على “حماس”، قال وزير الجيش الإسرائيلي “إن ذلك ممكن، لكنه يتطلب احتلال القطاع”، مضيفًا: “أنا لا أقول إن هذا الخيار لن يتحقق يومًا ما، لكننا نقوم بعمل جيد لمحاولة استنفاد مستويات أخرى من العمل”.
وشنت إسرائيل عدوانا عنيفا على قطاع غزة استمر 11 يوما، في الفترة ما بين 10 و21 مايو/أيار الماضي، ما أسفر عن استشهاد وجرح الآلاف من الفلسطينيين، فيما ردت الفصائل الفلسطينية على العدوان بإطلاق آلاف الصواريخ تجاه كافة المدن الإسرائيلية.
حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، اعتبرت بدورها التهديدات الإسرائيلية بشأن شن عملية عسكرية “قاسية” ضد قطاع غزة، وإعادة احتلاله من جديد “لن تخيف شعبنا”.
وقال عبد اللطيف القانوع الناطق باسم الحركة، في تغريدة عبر تويتر:” التهديدات باستعداد الجيش لعملية عسكرية في غزة للاستهلاك الإعلامي ولن تخيف شعبنا أو ترعبه”، مضيفًا “سيواصل شعبنا نضاله بمختلف الأدوات حتى انتزاع كامل مطالبه”، لافتًا إلى أن “سيف القدس لم يغمد ولا زال صدى المعركة التي خاضتها المقاومة يتردد بين أوساط جيشه المهزوز ويعاني من ارتداداتها”.
كما أكدت فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطينية، في الذكرى الـ16 للانسحاب الإسرائيلي من غزة، أن انسحاب الاحتلال، شكل إنجازًا كبيرًا جاء ثمرة للمقاومة الباسلة، وصمود شعبنا الأمر الذي دفع المجرم أرئيل شارون للهروب من القطاع.
وذكرت أن اتفاقات أوسلو وما تلاها، وما بني عليها من اتفاقيات أمنية واقتصادية، ألحقت كوارث على شعبنا ووضعت المشهد الفلسطيني في أزمات متلاحقة، مشددة على ضرورة إعادة صياغة البرنامج الوطني الفلسطيني، وفق استراتيجية وطنية ترتكز على خيار المقاومة واستمرار الانتفاضة.
كما وشددت على أن المقاومة بكافة أشكالها ستظل استحقاقا على شعبنا وقواه السياسية والرافعة لتحقيق أي إنجاز سياسي لشعبنا، منوهة إلى وضع مهمة الخروج من أعناق أوسلو أولوية وطنية وهذا يتطلب تطبيق القيادة المتنفذة قرارات المجلسين الوطني والمركزي بالتحلل من أوسلو وسحب الاعتراف بالاحتلال.
يشير المحلل السياسي، تيسير محيسن، إلى أنّ التهديدات الإسرائيلية بإعادة احتلال القطاع بعد الانسحاب منه منذ سنوات طويلة لم تتوقف، إذ إنها حاضرة في كل الفترات، وهي ترتفع حسب سخونة الأوضاع الميدانية، معتبرَا أن هذا النهج نهج طبيعي من قبل الاحتلال، كنوع من رد الفعل وامتصاص لغضب الشارع الإسرائيلي تجاه السخونة في حالة الاشتباك الحاصلة.
ويوضح محيسن، أنه في كل العلاقة البينية بين الاحتلال وقطاع غزة لا زال موقف الاحتلال متذبذباً ومتردداً من ناحية حسم نهائي لطبيعة وشكل التوجه، فهناك أصوات تريد التعامل مع غزة على طريقة تقديم متطلبات إنهاء وتخفيف حدة الحصار وتقديم مجموعة من التسهيلات في مقابل الحصول على هدوء على جبهة غزة، وهناك من يرى ضرورة التعامل بنظرية لا يصلح إلا القوة.
وفي 12 سبتمبر من عام 2005، سحبت إسرائيل قوّاتها ومستوطنيها، وتركت وراءها أكثر من 24 ألف دونم، بعد أن كانت المستوطنات تنتشر في 21 منطقة من محافظات غزة الخمس، وتضم نحو 6 آلاف مستوطن كانوا يقيمون على مساحة عمرانية تُقدَّر بـ6 آلاف دونم.
والانسحاب من غزة، أو ما يسمّيه الاحتلال “فكّ الارتباط الأحادي”، جرى في صيف 2005، عندما كان أرئيل شارون في منصب رئيس الوزراء.
ويعيش في غزة أكثر من مليوني فلسطيني، يعانون أوضاعا معيشية صعبة للغاية، بسبب حصار إسرائيلي متواصل منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في 2006.