الحل العسكري للنظام السوري في الحرب الدائرة في البلاد (جيفري وايت)

 

جيفري وايت

أصبح من المألوف القول أنه "لا يوجد حل عسكري" للصراع الدائر في سوريا. ويُستخدم هذا الادعاء الذي استحضره مسؤولون غربيون بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي، كتبرير للتركيز على الدبلوماسية (عملية "جنيف 2") والقيود المفروضة على مساعدة المعارضة المسلحة.
وربما يتمخض عن الحرب فعلاً نتيجة عسكرية، وفي ضوء التوجهات الحالية يمكن أن تكون هذه النتيجة انتصاراً النظام. وتبدو للعيان الأبعاد الاستراتيجية التي يتبعها النظام للفوز في الحرب. وتقوم هذه الاستراتيجية على المحافظة على قوة النظام وحلفائه وتشكيل قوات كافية والنجاح على مستوى العمليات مع وجود انشقاقات مستمرة في صفوف قوات الثوار. وتخضع هذه الاستراتيجية لتقييدات شديدة، وخاصة القيود المفروضة على حجم وفاعلية النظام والقوات المرتبطة به، كما أن "مُغيرات قواعد اللعبة" يمكن أن تُغير مسارها. ولكن انتصار النظام هو أمر وارد – وهو ما يعول عليه النظام.

المبادئ الاستراتيجية

يمضي النظام في حربه وفقاً لثلاثة مبادئ استراتيجية واسعة النطاق. يستوجب الأول استخدام أي مستوى من العنف يراه ضرورياً لهزيمة المعارضة المسلحة وكسر إرادة مؤيديها من المدنيين. وليس هناك شك بأن هذه العملية قد انطوت على تصعيد تدريجي بل مستمر نحو مستويات أعلى من العنف في وجه المعارضة المسلحة الآخذة في الازدياد. وهذا المبدأ القائم منذ بداية الانتفاضة المسلحة يوضح لنا التصعيد الثابت من قبل النظام في نوع الأسلحة المُستخدَمة – بما فيها الأسلحة الكيميائية – وفي شن الهجمات على السكان المدنيين. فتمشياً مع استهداف الثوار المسلحين وأنصارهم المدنيين على حد سواء، يقوم النظام – بعد الاستيلاء على منطقة كانت سابقاً تحت سيطرة الثوار – بقتل الثوار المسلحين بل والإنخراط فيما هي أساساً هجمات انتقامية على السكان المدنيين في المنطقة، وتشمل هذه: عمليات الإعدام والنهب وحرق المنازل والشركات. وكل بلدة يستولي عليها النظام تكون بمثابة مثال للبلدة التي تليها.
المبدأ الثاني لدى النظام هو الاستفادة من الجوانب الدبلوماسية بهدف منع حصول الثوار على دعم فعّال، وتجنب العزلة السياسية في الوقت نفسه. وبمساعدة حلفائه وخاصة روسيا وحق النقض ["الفيتو"] الذي تتمتع به في مجلس الأمن الدولي، نجح النظام في صد كل تهديد دبلوماسي من الدول الغربية ومعارضين آخرين للنظام. كما ساهم من جانبه في مختلف المبادرات لوقف إطلاق النار طالما أنها لم تقوض عملياته العسكرية، وعندما تعرض لمأزق بسبب استخدامه للأسلحة الكيميائية قام بإبطال مفعول الإجراء العسكري الأمريكي دون التخلي عن ثُقل قدرته على شن الحرب متى شاء. وقد يسافر المسؤولون السوريون إلى جنيف، ولكن كما أعلن متحدثوهم لن يذهبوا إلى هناك كي يُسلّموا مفاتيح دمشق – بل لإيقاع مناصري الثوار في شرك مفاوضات عقيمة وتعميق هوة الشقاق بين الثوار.
المبدأ الثالث لدى النظام هو استمرار حكاية القصة من وجهة نظره. ففي رواية النظام، تكسب قواته حرباً ضد "الإرهابيين" والنظام باقٍ على قوته وتماسكه. وباستخدامه كافة وسائل الإعلام المحلية والأجنبية المتاحة في ترسيخ روايته، نجح النظام بشكل متزايد في تصوير المشهد على أنه تهديد إرهابي متنامٍ في سوريا، وتركيز الانتباه على انتصاراته في ساحات القتال.

أهداف النظام

تتمثل أهداف النظام في الحد من المعارضة المسلحة وتقليصها إلى مشكلة إرهاب يسهل تطويعها، والقضاء على المعارضة السياسية المهمة داخل سوريا، واستعادة سيطرة النظام في النهاية على جميع أنحاء البلاد. ورغم عدم إشارة النظام مطلقاً إلى استعداده إلى التوصل إلى تسوية بأقل من هذا، إلا أنه قد يكون مرغماً على القيام بذلك نظراً لنطاق الثورة والقيود التي يواجهها في موارده. بيد، ما يزال النظام يقاتل للحفاظ على الأقل بهيمنة أو نفوذ في جميع المقاطعات. ويختلف ذلك نوعاً ما عن خوض القتال للحصول على دويلة صغيرة، رغم أن بإمكان استراتيجية النظام وعملياته أن تدعم بالتأكيد ذلك الهدف أيضاً. ففي العقل الجمعي لأعضاء النظام، ينبغي أن تكون سوريا دولة واحدة غير مُجزأة – وتحت حكمهم.

شروط مسبقة

مهما كان حجم فرط الثقة الذي قد يظهره النظام، هناك بعض الشروط السياسية والعسكرية الضرورية لكي يحقق النصر. وتشمل الشروط السياسية استمرار تلقيه الدعم الدبلوماسي من حلفائه واستمرار الانشقاقات في صفوف الثوار واستمرار غياب إجماع بين الدول الغربية والدول الحليفة لها حول التعامل مع النظام بالقوة. وتشمل الشروط العسكرية لنجاح النظام الحفاظ على التحالف العسكري مع شركائه – روسيا وإيران و «حزب الله»؛ والنمو في حجم وفاعلية القوات غير النظامية التابعة له ("قوات الدفاع الوطني")؛ واستمرار قدرة القوات النظامية التابعة له على تقديم القوة النيرانية الحاسمة في العمليات؛ وتجنب التدخل الأجنبي المباشر أو الدعم العسكري الأجنبي الكبير للثوار. وفي حين لا توجد هناك ضمانات، فإنه يبدو أن معظم هذه الشروط، إن لم تكن جميعها، سوف تُطبق في المستقبل القريب.

القيود

يواجه النظام قيوداً صعبة في تنفيذ استراتيجيته للحرب، بدءاً من الحجم المحدود لقواته نسبة إلى قوات الثوار والنطاق الجغرافي للثورة. فيجب عليه انتقاء المعارك التي يخوضها، بقتاله بضراوة في بعض الأماكن والاكتفاء بالاستمرار في بعضها. وهناك مخاوف ثانية متعلقة بما تقدم متمثلة في فقد القوات النظامية من خلال الإنهاك وحالات الارتداد الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاتكال – أو حتى الاعتماد الكلي – على القوات غير النظامية والقوات المتحالفة معها. وفيما يتعلق بتدهور القوات النظامية، هناك قيد ثالث: كمية القوة النيرانية البرية والجوية والصاروخية التي يستطيع النظام نشرها في وقت معين. وهنا كبحَ قرار النظام بالقضاء على مخزون أسلحته الكيماوية وبشكل فعال من تصعيده للقوة. رابعاً: يبدو أن النظام يواجه مشاكل في استمرار العمليات الهجومية. وحتى في جهود النظام الناجحة كما حدث في حمص في ربيع 2013 والسفيرة في مقاطعة حلب في الخريف، يبدو أنه قد فشل في إنهاء العمليات بشكل تام. والقيد الرئيسي الخامس هو الحاجة إلى تجنب مناوئة حلفائه، حيث أن دعمهم الحاسم يعني أنه يتوجب على النظام الإصغاء إليهم في إدارة الحرب. وكان هذا واحداً من الأسباب الرئيسية وراء قبول النظام للاتفاق الذي تم التوصل إليه حول القضاء على أسلحته الكيميائية.

التنفيذ العملي

في نطاق القيود التي تواجهه، يستطيع النظام القيام بعمليات فعالة تعزز أهدافه الاستراتيجية، على الرغم من أن هذه العمليات لم تكن حاسمة حتى الآن. فقد جمعَ بين خوض معارك وإجراء مناورات واسعة النطاق لتحقيق انتصارات هامة وكان عازماً على الانخراط في عمليات استنزاف ضيقة التركيز تؤدي إلى سحق للثوار. وقد طورت قوات النظام أساليب تكتيكية تضمنت الاستخدام المكثف للقوة النيرانية وعمليات الحصار، ونشر القوات الجوية والبرية والصاروخية بصورة مشتركة، والقيام بعمليات مشتركة مع قوات التحالف للتغلب على المقاومة العنيدة من الثوار. وفي الواقع، إن القيود التي تواجه القوات تُجبر النظام على القيام بالعمليات بصورة متسلسلة. وربما يتم سحب وحدات رئيسية من القوات النظامية ("الفرقة الرابعة" في "الحرس الجمهوري") والقوات المتحالفة («حزب الله» والشيعة العراقيين) من عملية أو ساحة قتال معينة والدفع بها إلى أخرى. وكما ذُكر من قبل، تساعد قرارات النظام بشأن المعارك التي يركز عليها في تفسير نجاحاته وإخفاقاته – ونجاحات وإخفاقات الثوار في المقابل.

التقدم

تعمل توجهات ساحات القتال على ترجيح كفة النظام حتى لو أن النتيجة في كل معركة لا تؤدي إلى ذلك. وعلى وجه الخصوص، هناك أربع عمليات هامة استثمر فيها النظام جهوداً وموارد كبيرة أحرزت له قدراً من النجاح: في حمص في ربيع 2013، في محافظة حلب الجنوبية في الخريف، في الضواحي الجنوبية لدمشق في الخريف أيضاً، وفي منطقة القلمون شمال وشمال شرق دمشق بدأً من أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. وفي كل عملية من هذه العمليات، طبّق النظام وبشكل فعال مفاهيمه القتالية حتى أثناء تكبده خسائر من مقاومة الثوار التي غالباً ما تكون عنيدة. يتعين على الثوار إيجاد طريقة ناجحة للردّ على مثل هذا النوع من العمليات. وفيما يتصل بذلك، يمكن يمكن أن يُعزى السير البطيء لعمليات النظام، على الأقل، إلى القيود التي تواجه قواته بقدر ما يُعزى إلى فعالية الثوار.

تغير قواعد اللعبة

رغم التوجهات الحالية، إلا أن انتصار النظام ليس أكيداً، وهناك عدد من مُغيرات اللعبة قد يعيق أو يرد تقدمه. أولاً: يمكن أن يحقق الثوار تنسيقاً فعالاً بين عناصرهم السياسية والعسكرية بما يمكنهم من الاعتماد على نهج متكامل للحرب ووضع استراتيجية وطنية لإدارته في ساحة القتال. ثانياً وفيما يتصل بذلك، بإمكان الثوار إنشاء وحدة قيادة وسيطرة فعالة من شأنها أن توفر جواً للتكامل والتنسيق بين القوات ومواردها اللوجستية، بما يساعدهم على مواجهة عمليات النظام. ثالثاً: قد يتلقى الثوار مساعدة عسكرية مُعزَزة: أسلحة وذخائر وتدريب واستخبارات ونصائح. رابعاً: ربما يقلل نوع من التدخل الأجنبي المباشر من المميزات والفاعلية التي يتمتع بها النظام.
ومع ذلك، تبدو الاحتمالات الخاصة بكل خيار غامضة في الوقت الراهن. إن حصول تطور في قدرات الثوار من المرجح أن ينشأ بشكل كبير من مواردهم السياسية والعسكرية. وربما يكون أهم إنجاز يحققه الثوار هو توحيد الجهود – والذي هو في ظل الظروف الراهنة سوف يكون على الأرجح تحت لافتة إسلامية.

الاستنتاجات

إن التأكيدات بأنه "لا يوجد حل عسكري" للصراع الدائر في سوريا ينبغي مراقبتها بحذر، وذلك لجميع الأسباب المذكورة هنا. وفي حين من غير المؤكد أن يحرز النظام ذلك النوع من الانتصارات الذي يسعى إليه – وربما سيضطر إلى قبول تسوية بأقل من ذلك – إلا أن الحرب تسير الآن في صالحه كما أن احتمالات انعكاس الأوضاع لا تبدو جيدة.
وإذا ما استُثنى حدوث انهيار مفاجئ للمقاومة المسلحة – وهو ما يبدو غير محتمل بالنسبة للجبهة الإسلامية الرئيسية – فلن [يتمكن] النظام من هزيمة قوات الثوار واستعادة الأراضي منها إلا ببطء. ولكن النظام عنيد وحلفاؤه مخلصون.
وفيما يتعلق بجنيف، يوحي نهج النظام في إدارة مجرى الحرب بأنه لن يتفاوض بجدية مع الثوار. وبالنظر إلى نجاحه المتزايد في ساحة القتال والدعم المستمر من حلفائه ووجود معارضة منقسمة ومفككة، فليس هناك ما يدعوه لعكس ذلك.

 

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى