الحل صار واضحاً

ثمة فرق مزمن بين التجمع والمجتمع.

من واجب السوريين أن يفرحوا بهذا القدر المتوفر من “ليالي البحث في فيينا”. فالدول التي لاؤها “لا” و نعمها “نعم”، هي من يقرر.

والكومبارس كومبارس حتى لو كان بأزياء لويس السادس عشر في أيام عزه. فكيف بإميراطوريات الدشداشة المحلية؟

قد لا يأتي الحل في سلال الزهور، وغرف الطهو البطيء للإتفاقات، وإذا أتى فبطئه مكلف. ولكن الأزمة السورية أخذت المكان المناسب لإنطلاق الحل… ركبت قاطرة الحل.

هناك عدة مستويات يمسك بها أطراف رئيسيون:

هناك من يساعد على الحل…مثل تركيا والسعودية بإقفال حنفية المساعدات وتدفق المقاتلين.

وهناك من يصنع الحل…مثل الروس والأمريكان.وخاصة الروس الذين يغيّرون بغاراتهم الجوية كل قواعد اللعبة وكل ميزان القوة. ويضعون كل أنواع المسلحين أمام خيارات صعبة، ويتعرضون لامتحان الفرق بين من هم أصحاب مشروع ما، وبين من هم زعماء عصابة.

وهناك من ينجز الحل، في نهاية المطاف، وهم السوريون، أطراف الصراع الذين ستفرض عليهم صيغة الدولة القادمة وحكامها القادمون، ومكانها في الخرائط الإقليمية ومكانتها الدولية.

لم يقنع جنيف واحد، السورييين. ولا جنيف اثنين …بينما بدت أخبار فيينا مفرحه .

فرح السورييين… يأتي من اقتراب نهاية المعاناة. الهجرة، والنزوح، والجوع، والحصار، وكل آلام البشر في الحروب القذرة.

وفرح السوريين، سينتقل من اليأس إلى الأمل، ومن أمل رقم واحد (وقف الحرب) إلى أمل رقم 2 (صياغة المستقبل) إلى الأمل رقم 3 (انتهاء نظام فساد) بالانتقال إلى نظام قانون ودستور ورقابة ومحاسبة، وتداول سلطة، بثقافة الإختلاف والحقوق والمواطنة، مع التشكل الجذري لسلوك الناس الذين سيتدربون على تحطيم الكراهيات، وينبذون كل أدوات العنف، وصولاً حتى إلى سكاكين المطابخ.

سورية علمانية، جملة في بيان فيينا…ليست قليلة الأهمية، أصحاب مشروع الدولة الإسلامية يعتبرونها هراء. ولكنهم ليسوا الوحيدين المغتاظين من الجملة… فهناك رعاة لأشكال أخرى من الإسلام الدولتي ، السياسي، وعلى رأسهم “الجبير”، الذي أصبحت أنشودته “رحيل الأسد” مملة، في الوقت الذي تفاهم فيه “الفاعلون” على صيغة ترضي الجميع وهي: “السوريون يقررون”. وتعني أن الرحيل متفق عليه، في مرحلة ما بعد الاطمئنان على الشكل النهائي للحل السياسي.

مع التأكد بأن سورية الجديدة لن تحارب نفسها من جديد وذلك بإرساء قواعد متينة، واقعية، لا أوهام فيها لدولة مؤسسات شرعية.

ولكن…

هذه الـ “ولكن” ضرورية، بأقصى قدر من الوضوح:

لن يكون هناك أي من الآمال، من رقم واحد إلى الرقم الأخير، ممكناً… إلا بعد إنهاء المنظمات المسلحة، بأي شكل وطريقة. وأن يكون هناك عنوان واضح لفصائل المعارضة التي تشارك في صياغة مستقبل سورية الجديدة.

هذا يعني” إلقاء” السلاح بشروط التفاهم والضمانات لمن سيكون شريكاً في العملية السلمية.

بينما يعني ذلك “تدمير” السلاح في حوزة فصائل محددة جرت تسميتها وثمة على الطريق مسميات جديدة.

آن للسوريين أن يكونوا مبدعي سلام مثلما كانوا منتجي عنف. والطريق، صار واضحاً. ونحن نعلم أن الحروب في نهاياتها عادة تكون أكثر قسوة وضحاياها أكبر عدداً.

ولكن تسهيل ولادة الحل…واجب الوطنية السورية الاول، بأفضل تعريفاتها. كل قطرة دم أخرى تنزف من شرايين السوريين، كل السوريين،…مؤسفة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى