الحنين القاتل إلى 25 يناير (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ـــ 1 ـــ

… على بُعد أيام من 25 يناير ثالثة تبدو مصر عند مفترق طرق هي أشد خطورة، يحكمها الحنين والشعار لا السياسة والرؤية. الهستيريا سيدة الموقف سواء عند مَن أعادوا زمن إجماع الـ99٪ ليصل شعورهم بالنصر على الخوف إلى حد التشبّع، أو الذين لم يعد لديهم سوى التوحّد مع المظلومية.
كلاهما يؤدي إلى الآخر، حلقة مفرغة، تتصارع فيها الهستيريا بديلاً حقيقياً عن الوجود سياسياً أو اجتماعياً أو حتى على مستوى الحياة الشخصية.
الطرق كلها متخمة بالشعارات واستعراضات القوى، وسرديات الانتظار الكبرى تقسم الشعب بين شهيد وجندي في سرية حرب تبدو أحياناً من أجل الحرب.
المجانين وحدهم يتخيّلون أنه يمكن القضاء على الخصم بالضربة القاضية للوصول إلى النقاء الفاشي النبيل. لكنها فاشية بلا إنجازات ولا معارك ملهمة ولا برنامج سياسي. ولهذا فإنها فاشية متخيّلة، قادمة من عالم افتراضي يشبه عالم الإسلاميين الذي سقط في لحظة السيطرة على الواقع.

ـــ 2 ـــ

بعد اصطياد التمساح مبارك ووضعه في متحف المومياوات…
لا أحد يسيطر على الواقع. كلها إسقاطات من عالم الفانتازيا الفاشية. قبائل تتصارع وطوائف تتصادم من دون مشاريع سياسية. ولا خطوات من أجل بناء نظام جديد. كلها استلهامات للتواريخ وطقوسها من الاستفتاءات الناصرية إلى المبايعات الأموية مروراً بتنظيمات الحشاشين ومظلوميات الخوارج… كل هذا الجنون يبني سلطة لا نظاما.
بمعنى آخر فالجنون هو بناء سلطة على كل هذا الفراغ الكبير في الدولة والمجتمع. فراغ الخوف وصراع الغرائز المتوحشة. وهذا لن يؤدي في النهاية إلى شيء سوى إعادة المتاهة نفسها. سلطة تتسلّح بآلتها الأمنية وجماهيرها الخائفة بينما تتقدّم جماعة الإخوان بسلطويتها المتصدّعة صفوف المطالبين بالديموقراطية.
كلهم يدعون إذن للاحتفال بيناير، حتى من اعتبرها «نكسة» أو مَن تخيّل أنه راكبها الوحيد، الشرطة تعلن أنها ستحمي الاحتفال، والثوار يقولون إنها «ثورة من جديد»، والإخوان يريدونها «نهاية الانقلاب»… احتفال الهستيريا بذاتها يبعد السياسة ويعلي من الحنين إلى لحظات عصيّة على الاستفادة من دروس ثلاث سنوات كاملة من خسارة نال كل طرف نصيبه منها.. وإدراك بأنه لا قوى تقليدية حتى المسلّح منها قادرة على الحسم النهائي.
والحنين إلى 25 يناير يشبه إلى حد ما السعي إلى حذفها، مجرد رغبة قاتلة.

ـــ 3 ـــ

سنة أخرى عابرة.
ومصر تقترب من المفترق بإدراك أن لا أحد قادر على تجاوز 25 يناير أو العودة إلى ما قبلها أو محوها من الذاكرة. ستظل بانتصاراتها الكبيرة وإحباطاتها وخيباتها وأملها حاضرة في المستقبل ومؤرقة.. حضور إما بالخيبة أو بكسر الحواجز ليفكّر لمجتمع، بعيداً عن السلطة، في كل شيء.. أي أنه حتى لو هُزمت الثورة في معركة السلطة، فإنها ستكون قد اخترقت الحصار الحديدي على المجتمع وأصبحت أمام «ثورة في الثقافة…» أي ثورة على الذات وأبعد من مجال السياسة المحض، أي في الصراع من أجل حياة وسعادة لا من أجل تحويل المجتمع إلى كتائب في انتظار قائدها.
وهذه رهانات أكثر اتساعاً وراديكالية.. فالمجتمع النائم في غيبوبة الحنين يهزم الثورة قبل السلطة أحياناً.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى