الخام الأميركي ينهار: النفط دون الصفر
سيبقى تاريخ العشرين من نيسان/ أبريل 2020 محفوظاً في الذاكرة لوقت طويل كـ«إثنين أسود» جديد في تاريخ الانهيارات. انهيار ليس له مثيل. لم يحدث على الإطلاق أن دَفَع حامل عقود للمستهلك مقابل تصريف بضاعته النفطية! هذه سابقة لم يتوقّعها حتّى مَن وضعوا أكثر السيناريوات تشاؤماً بعد انهيار الطلب وحرب أسعار النفط السعودية ــــ الروسية التي تبدو الآن نزهة. إنّها المرة الأولى في التاريخ التي تهبط فيها العقود الآجلة للنفط الأميركي إلى أقلّ من صفر دولار، ويضطرّ فيها بائعو الخام إلى أن يدفعوا للمشترين لقاءَ تصريف عقود آجلة. قبل ساعات من انقضاء مهلة عقود أيار/ مايو، هوى خام القياس الأميركي بنسبة 306%. الكارثة التي حلّت على «غرب تكساس الوسيط» جاءت مدفوعة ببلوغ منشآت التخزين الأميركية طاقتها الاستيعابية القصوى إثر انهيار الطلب العالمي على النفط المتأثر بالجائحة، ما سيجبر واشنطن، في نهاية المطاف، على فرض اقتطاعات طوعية في الإنتاج، بعدما تغنّى الرئيس دونالد ترامب طويلاً بركونه إلى العرض والطلب، ورفَض توازياً الاقتطاع من إنتاج بلاده، مصرّاً على أن انخفاضاً تلقائياً وطبيعياً سيحدث متى تأثّر الإنتاج بعوامل انخفاض الطلب وامتلاء المخزونات.
إذاً، هو الانهيار الأكبر للخام على الإطلاق؛ بعد ظهر أمس، تراجع سعر برميل «غرب تكساس الوسيط»، تسليم أيار/ مايو، إلى 10.84 دولارات، في أدنى مستوياته منذ 1999. تلك لم تكن إلا بداية الانهيار الحقيقي، إذ واصل الخام الأميركي انخفاضه مساء بأكثر من 95%، مسجلاً دولاراً واحداً للبرميل. لكن الكارثة الحقيقية حلّت حين هبطت العقود الآجلة بـ 55.90 دولاراً، أو 306%، إلى ناقص 37.63 دولاراً للبرميل، بحلول 18:34 بتوقيت غرينتش. انهيارٌ يعود كذلك إلى أسباب تقنية تتعلّق باقتراب انقضاء مهلة عقود أيار/ مايو اليوم، ما سيتركها عرضة لأحجام تداول أضعف، وسيجبر حامليها على البيع بأيّ ثمن بغية تصريفها، وخصوصاً بعدما تضخّمت المخزونات في الولايات المتحدة، إذ ارتفعت الأسبوع الماضي مثلاً بـ 19.5 مليون برميل. كذلك، تراجعت عقود حزيران/ يونيو، الذي يجري تداوله على نحو أكثر نشاطاً، بنسبة 18% إلى 20.43 دولار. أمّا خام «برنت» بحر الشمال المرجعي الأوروبي، تسليم حزيران/ يونيو، فتراجع 9.2%، ليبلغ 25.43 دولاراً.
لم تفلح المؤشّرات على أن «كورونا» بلغ ذروته، على ما يبدو، في أوروبا والولايات المتحدة، في رفع الأسواق المالية الآسيوية والأوروبية عموماً. بدلاً من ذلك، يزداد قلق المتعاملين من نفاد القدرة الاستيعابية في منشآت التخزين الأميركية، وهو عاملٌ أثّر على وجه خاص في سعر البرميل الأميركي. كذلك، لم يفلح الاتفاق الذي أُبرم بداية الشهر الجاري بين «أوبك+» وشركائها بقيادة روسيا، لخفض الإنتاج بعشرة ملايين برميل يومياً، في تهدئة قلق الأسواق المتأثّرة بتدابير الإغلاق الشامل. وفق مذكّرة صادرة عن مصرف «أ أن زد»، بقيت أسعار النفط الخام تحت الضغط لأن توقّعات انخفاض الطلب تلقي بثقلها على السوق. ولعل خام «تكساس» كان الأكثر تأثّراً مع امتلاء منشآت تخزينه الرئيسية في كاشينغ لولاية أوكلاهوما (حيث تتقاطع أنابيت النفط الأميركية)، كما يلفت مايكل ماكارثي المسؤول عن الاستراتيجية في شركة «سي أم سي ماركت». ويوضح ماكارثي أن هذا المؤشّر المرجعي الأميركي «انفصل» الآن عن مؤشّر «برنت» المرجعي الأوروبي، إذ بلغت الهوة بينهما مستويات لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. كذلك، يشير المحلّل لدى منظّمة «ترافيكتا» للاستشارات سوكريت فيجاياكار، إلى أن منشآت التكرير لا تعالج الخام بالسرعة الكافية، ما يفسر غياب مشترين وامتلاء المخزونات. في الإطار، يفيد ستيفن إنيس، من «أكسيكورب»، بأن «أحداً… لا يريد تسلّم النفط مع امتلاء منشآت تخزين كاشينغ بين دقيقة وأخرى»، فيما «لم يتطلّب الأمر وقتاً طويلاً لتدرك الأسواق أن اتفاق أوبك+ لن يكون بشكله الحالي كافياً لضمان توازن في أسواق النفط».
مع ذلك، يرى المحلّلون أن «مشكلة سعة التخزين ستختفي بسرعة» في النصف الثاني من العام الجاري، وهي توقّعات تستند إلى انتعاش الطلب على النفط بعد الرفع التدريجي لإجراءات العزل المفروضة على المليارات من السكّان. لكن في المحصلة، تراجعت أسواق الأسهم في معظمها، رغم أن الحكومات بدأت التفكير في كيفية وتوقيت تخفيف إجراءات الإغلاق التي شلّت اقتصاد العالم. ومع بدء التداول في «وول ستريت» أمس، تراجعت مؤشرات الأسهم ليسجّل «داو جونز» الصناعي انخفاضاً نسبته 1.8% عند 23798,01 نقطة، كما تراجع مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 1.3% إلى 2835,08 نقطة، في حين خسر «ناسداك» 0.7%، مسجِّلاً 8588,66 نقطة. بالتوازي، أغلقت بورصات الخليج على تراجع، إذ انخفض مؤشر الأسهم السعودية بـ 1.2% متأثراً بنزول سهم «مصرف الراجحي» بـ 2.1% وخسارة سهم «الشركة السعودية للصناعات الأساسية» (سابك) 3.3%. ونقلت وكالة «رويترز» عن ثلاثة مصادر أن الحكومة السعودية باعت للمصارف المحلية نسبة صغيرة من سندات بسبعة مليارات دولار طرحتها الأسبوع الماضي، وسط مخاوف من أزمة سيولة سببها انهيار أسعار النفط. أما في دبي، فتراجع المؤشر 1.4%، بينما انخفض مؤشر أبو ظبي بنسبة 2.8%. والمعنويات في بقية الأسواق يسودها الحذر مع بدء موسم إعلان نتائج الربع الأول من السنة، إذ يتوقّع المحلّلون أن تعلن الشركات المدرجة على المؤشر «ستوكس 600» الأوروبي تراجع أرباحها بنسبة 22%، في أكبر هبوط منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
صحيفة الأخبار اللبنانية