الخضيرة بعد بئر السبع: «ذئاب الداخل» تُنهك العدو
مجدّداً، يتلقّى أمن العدو صفعة قوية في مدينة الخضيرة شمال فلسطين المحتلّة، بعد أقلّ من أسبوع على صفعة بئر السبع، على الرغم من تكرار التحذيرات الإسرائيلية من سلسلة عمليات قادمة، والاستنفار الإسرائيلي الذي أعقب هجوم بئر السبع. وأدّت عملية الخضيرة، التي وقعت مساء الأحد الماضي، إلى مقتل اثنَين من شرطة العدو وإصابة 12 آخرين، فيما استُشهد منفّذاها أيمن وإبراهيم إغبارية من مدينة أم الفحم داخل الأراضي المحتلة عام 1948. وبدأت حكاية العملية الساعة 8:40 ليلاً، عندما وصل الشابّان إغبارية إلى شارع «هربرت صموئيل»، وركنا مركبتهما، ثمّ ترجّلا وبحوزة أحدهما حقيبة، حتى وصلا إلى محطّة انتظار حافلات. وبعد دقائق، وصلت حافلة تقلّ جنوداً في «حرس الحدود» وعسكريين في شرطة الاحتلال، ففتحا النار على الجنود بعد لحظات من نزولهم، ثمّ استمرّا في إطلاق النار حتى وصول قوّة مستعربين تابعة لـ«حرس الحدود» كان أفرادها داخل مطعم قريب، فوقع اشتباك مسلح بين المنفّذين والقوّة الإسرائيلية، أصيب خلاله شرطيّان إسرائيليان واستشهد المنفّذان. ووفق المعطيات المتوفّرة والمقاطع المصوَّرة التي أظهرتها كاميرات المراقبة، فإن منفّذَي العملية تعمّدا إطلاق النار تجاه العسكريين من الشرطة و«حرس الحدود»، وتجنّبا استهداف المستوطنين غير المسلّحين، إذ تركا مستوطناً مسنّاً قرب الحافلة، ولاحقا جنديَّيْن إسرائيليَّيْن أثناء هروبهما من المكان.
وتنبئ عملية الخضيرة وما سبقها بتداعيات كبيرة وخطيرة على أمن العدو ومستوطنيه، إذ تشير صحيفة «إسرائيل اليوم» إلى ارتفاع تقديم المستوطنين طلبات لحيازة سلاح بنسبة 700% بعد العملية، بينما يعتبر موقع «والا» العبري العملية «فشلاً جديداً»، لأن منظومة أمن العدو لم تمتلك أيّ معلومات أو إشارات حول نيّة فلسطينيين من الداخل المحتل تنفيذ عمليات فدائية، بعدما كان كلّ التركيز على الضفة والقدس. وفي الاتّجاه نفسه، يصف المحلّل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، هجوم الخضيرة بأنه «فشل أمني»، معتبراً أن مخابرات العدو قوية في الضفة والقدس وكفاءتها أقلّ بين فلسطينيّي الـ48. ويقول: «في الداخل تسري قواعد أخرى جديدة بالنسبة إلى الفلسطينيين، وقلنا خلال معركة أيار إن على إسرائيل الاستيقاظ من خطر الفلسطينيين في الداخل». أمّا أمير بوحبوط، مراسل موقع «والا»، فيلفت إلى أنه «في الأسبوع الماضي، حذّر أمن العدو من وقوع عمليات في الضفة الغربية وحول القدس قبل يوم الأرض ورمضان، لكن لم تكن هناك معلومات حول منفّذين فلسطينيين يحملون بطاقات هويّة إسرائيلية زرقاء ومن الداخل».
وعلى إثر هجوم الخضيرة، قرّر جيش العدو الدفْع بأربع كتائب إضافية من قوّاته إلى الضفة الغربية ومناطق التماس، فيما وصل إلى مكان العملية رئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، وقائد شرطته ومسؤولون إسرائيليون. وفي الوقت نفسه، رفعت شرطة الاحتلال حالة التأهّب إلى أقصى درجة في كلّ فلسطين. ووفقاً لـ«القناة 7» العبرية، فإن العدو قرّر اتّخاذ إجراءات غير مسبوقة، من بينها إصدار أوامر اعتقال إدارية لفلسطينيّي الداخل المحتل، ومراقبة مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وتوسيع سياسة حمل الجنود للسلاح. بالتوازي مع ذلك، وقعت مناوشات كلامية بين وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف وعضو «الكنيست» إيتمار بن غفير، في موقع العملية، حيث كان بارليف يقول للصحافة: «العملية فظيعة ونحن نعمل…»، ليقاطعه بن غفير بالقول: «اسكت واخجل، أنت فاشل»، ثمّ جرى تدافع بينهما أمام عدسات كاميرات الإعلام، فيما تظاهر مستوطنون قرب المكان، مردّدين هتافات تدعو إلى الانتقام من الفلسطينيين، وهو ما تُرجم سريعاً في الضفة الغربية، حيث هاجم مستوطنون مركبات الفلسطينيين بالحجارة في أماكن مختلفة، من بينها: جنوب نابلس، وبين نابلس ورام الله، وقرب الخليل وبيت لحم، وأحرق آخرون مركبات في قرية جالود جنوب نابلس فجراً.
وبينما كان الفلسطينيون ساخطين على «قمة النقب»، وتمنّوا إطلاق رشقات صاروخية من غزة بعد وصول وزراء الخارجية العرب للقاء نظيرهم الإسرائيلي، يائير لابيد، تَحقّق لهم ما يتمنّون، ولكن عبر عملية الخضيرة، إذ أفاد مراسل «يديعوت أحرونوت»، يوفال كارني، بأن العملية وقعت أثناء تواجد الوزراء على مأدبة العشاء في افتتاح القمّة. وتزامناً مع المشهد الملتهب في الخضيرة، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن جهاز «الشاباك» يحقّق في مقتل مستوطن إسرائيلي وإصابة آخر في القدس الأسبوع الماضي، حيث اتّضح مع تقدّم التحقيقات أن الحادثة ليست جنائية بل عملية مقاومة. وبحسب إحصائية صادرة عن «القناة 12» الإسرائيلية، فإن 6 مستوطنين قُتلوا، وأصيب 25 آخرون في 9 عمليات فلسطينية منذ بداية الشهر الجاري. وبعد نحو ستّ ساعات من هجوم الخضيرة، شنّت شرطة العدو حملة دهم وتفتيش في مدينة أم الفحم – مسقط رأس المنفّذَين إغبارية -، واعتقلت خمسة فلسطينيين من بينهم شقيق أحد المنفّذَين، وزعمت أنها صادرت حواسيب وأسلحة من المنازل.
وتكمن خطورة عملية الخضيرة في كونها مزدوجة، أي أن مقاومَين نفّذاها، وتمكّنا من «ضرب أمن العدو في مقتل»، حيث لم يجرِ اكتشافهما في أيّ مرحلة من مراحل التجهيز للعملية إلّا بعد البدء بتنفيذها. ومثل هذه العمليات من المستبعد أن تكون فردية (أعلن تنظيم «داعش» في بيان مسؤوليته عن العملية وتلك التي سبقتها في بئر السبع، لكن هذا لا يمكن التأكّد منه)، إذ إنها أكثر تعقيداً من ذلك؛ إذ تمرّ بمرحلة التخطيط، ثمّ الحصول على السلاح، إضافة إلى شراء ذخيرة، ثمّ التوجّه من مدينة أم الفحم نحو الخضيرة، وفي أيّ لحظة قد يكتشف العدو العملية والمنفّذين المحتملين عبر حاجز شرطة مفاجئ أو بناءً على أيّ حركة مريبة، أو قد يقع هؤلاء ضحية لتاجر سلاح مرتبط بالمخابرات الإسرائيلية، كما يحصل أخيراً بشكل متكرّر، ومثلما حدث في الانتفاضة الثانية والسنوات السابقة أيضاً. كذلك، يُعدّ موقع العملية ونتيجتها مؤشّرَين إضافييْن إلى خطورتها، إذ إنها وقعت في مدينة الخضيرة التي لم تشهد منذ سنوات طويلة أيّ عملية مقاومة أو «حدث أمني»، فيما يرى محلّلون أن الصدفة لعبت دوراً في إنهائها بقتيلَين و12 إصابة، وأنه لولا تواجد القوّة السرّية الإسرائيلية في المطعم القريب لانتهى الهجوم بخسائر إسرائيلية أكبر، خصوصاً أن شرطة العدو ووسائل إعلامية إسرائيلية كشفت عن وجود مسدّسات وذخيرة كبيرة (نحو ألف طلقة رصاص) وسكاكين بحوزة المنفّذَين، وأنهما يرتديان درعَين واقيَيْن من الرصاص، علماً أن غالبية هذه الذخيرة تعود إلى مخازن جيش العدو، بحسب الملصقات والكتابة المتوفّرة عليها في مكان العملية.
أمّا توقيت الهجوم فيحمل أبعاداً استثنائية، كونه وقع بعد أقلّ من أسبوع على عملية بئر السبع، والتي أدّت إلى مقتل 4 مستوطنين، إضافة إلى تزامنه مع تحذيرات إسرائيلية متتالية من موجة تصعيد فعلية، من دون أن يتمكّن العدو من الاستفادة من هذه التحذيرات في منع العمليات الفلسطينية. وفي المقابل، من شأن تلك الهجمات أن ترفع من منسوب معنويات الفلسطينيين ودعمهم لخيار المقاومة، في ظلّ المشهد السياسي الذي يراوح مكانه، ومع استمرار رهان السلطة الفلسطينية وحلفائها على «أحصنة» الوعود الأميركية الخاسرة.