الخليج وأميركا… استنتاجات خاطئة

ليس من دون دلالات الاستقبال العادي الذي لقيه الرئيس أوباما في قمة الرياض الأخيرة. وإذا قورنت التغطية الإعلامية للقمة الخليجية – الأميركية هذه المرة بغيرها من القمم والمناسبات المشابهة السابقة، فمن غير الصعوبة الاستنتاج بأنها الأقل احتفالية وزخماً. ولعل هذا يؤكد، إلى جانب عناصر أخرى، حقيقة التعديلات التي طرأت على مضامين العلاقة الخليجية – الأميركية في عهد أوباما. لكنّ هذه الانزياحات المهمة لا تسمح باستنتاجات متسرعة انطوت عليها بعض التحليلات التي تناولت القمة على شيء من التهوين أو التهويل. ومن أمثلة هذه الاستنتاجات الخاطئة:

أولاً، القول إنّ «عهداً خليجياً جديداً قد بدأ يخطّ طريقه بعيداً من أميركا»، وهذه مغالطة لأنّ دول مجلس التعاون الخليجي في سعيها الى تنويع شراكاتها الاستراتجية على الساحة الدولية، وفي سعيها الى تأسيس مزيد من عناصر «القوة الذاتية» وتقليص الاتكاء على «الأمن المستورد»، لا تكفّ عن الاعتراف بأن الشراكة مع أميركا ما زالت هي أهم الشراكات الاستراتيجية التي نسجتها دول الخليج، وأن تمتينها وتنميتها مصلحة خليجية مؤكدة، وأن «التواضع الاستراتيجي» مهم في تقدير القوة والنفوذ الهائلين اللذين تتوافر عليهما أميركا، ما يدفع أيّ طرف إلى الحرص على أن يكون «مصلحة أميركية»، للاستفادة من قوتها ونفوذها.

ثانياً، الـــحديث عن انفـــكاك واشنطن عن تحالفـــها مع دول الخليج واتجاهها للتحالف بدلاً من ذلك مع إيــران. وهنا مغالطة أخرى. فالصحيح، كما أشار محللون استراتيجيون، أنّ ثمة تَجاوزاً في توصيف العلاقة الخليجية – الأميركية بـ «التحالف»، والأدق وصفها بـ «الشراكة الاستراتيجية» لأن «التحالف» يقتضي تشــــاركاً في القيــــم وليس فـــي المصالح فقط، كما أنه يقتضي وجود وتوقيع «اتفاقات دفاعية» تحتم دفاع كل طرف عن الآخر، في حال تعرض لهجوم او خطر، كما هو حال حلف «الناتو». عدا ذلك، فإن ما يجمع الخـــليج بأميركا من المصالح والملفات والمــواقف والرؤى المشتركة لا يُقارن، في الحقيقة، مع التقـــارب المستجدّ بين أميركا وإيران، على وقْعِ الاتفاق النووي الإيراني ومكافحة الإرهاب. وقد يكون جـــديراً بالنظر قول مراقبين إن اللوبي الإيـــراني في أميركا مثابرٌ على الترويج لمقولة «تردي العلاقات السعودية – الأميـــركية وصعود التقارب الأميركي – الإيراني»، وهي معركة مفتوحة على المـصالح والنفوذ والشرعية الإقليمية، ومحكومة، في أحد أجزائها، بمدى قدرة كل طرف على صناعة الوقائع على الأرض وجذب الآخرين لسرديته حول الصراع المعقد.

إنّ اتجاه دول الخليج لتحسين أوراقها الداخلية وعناصر قوتها الذاتية واستقلالية تحركاتها وتحالفاتها الإقليمية لا ينبغي النظر إليه وكأنه سَحبٌ مِنْ رصيدِ العلاقة الخليجية – الأميركية، أو على الضدّ منها. فالشراكة الاستراتيجية مستمرة، و«تقاسم العبء» و«المشاركة الجماعية» في صيانة الأمن الإقليمي والدولي، المشار إليهما في «عقيدة أوباما»، يحققهـــما خليجٌ أكثرُ قدرةٍ على توظيف عناصر قوّته الذاتية وتوسيعهـــا وتــــــوظيفها بمهارة وكفاءة، سواءً في الــداخل الخليجي أو على مستوى السياسة الخارجية، وبالتالي تصعيد القدرة الخليجية والعــربية على محـــاربة الإرهاب وإطفاء الحرائق في سورية واليمن وليبـــيا ودفع العمليـــة السياسية في العـــراق نحو التعافـــي. هــذا «عبءٌ» مِنْ شأنهِ تقوية الجانب الخليجي، ومنْحه إمكاناتِ التعاطي باقتدارٍ أكبر مع الدعوات لبناء هيكلِ أمنٍ إقليميّ جـــديدٍ يضم دول «التعاون» وإيران. وتـــوافر رؤية خليجية استراتيجية متمــاسكة حول ذلك سيجعل هذه الدول عنــصــراً مؤثراً في رفع مستوى الأخطــــار على إيران في حال أصرّتْ على أنْ يكون نفوذها «سلبياً» في المنطقة، أو حتى لو حطّمتْ رغبات أوباما في «السلام البارد» مع جيرانها!

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى