الخمارالأسود بين سوريا و ليبيا

من أعجب و أطرف ما يمر بالكاتب هو خروج مقاله عن هدفه الأساسي إلى هدف آخر لم يكن في الحسبان و هذا ما حدث معي عام 1995 و كنت نشرت في زاويتي الإسبوعية في جريدة  ” تشرين” السورية خاطرة عن أغنية المطرب المشهور صباح فخري : ( قل للمليحة في الخمار الأسود ) التي تعود أبياتها الشعرية إلى 1300 عام مضى من قصيدة لشاعر أموي تحول إلى إنسان زاهد إسمه ربيعة بن عامر التميمي و الذي سمي ” الدارمي ” نسبة إلى “دارم” أحد أجداده و لقب بالمسكين بسبب تحوله إلى الزهد بعد خيبته في  عشق “ذات الخمار الأسود ” التي كتب فيها قصيدة غزلية مطولة اختار منها صباح فخري بعضاً من أبياتها في مطلع القصيدة وهذه هي :

قُلْ للمَليحَةِ في الخِمارِ الأسودِ                              ماذا فَعَلتِ بِناسك مُتَعبِّدِ
قَد كان شَمَّرَ للصـــلاةِ ثيابه                                لما خطرت له  بِبابِ المَسجدِ
فسلبت منه دينه و يقينه                                    و تركته في حيرة لا يهتدي

ردي عليه صلاته و صيامه                                لا تقتليه بحق دين محمد

وهي أغنية غنية عن التعريف لحنها و غناها صباح فخري بصوته الرجولي الرخيم الصداح على مقام السيكا المشتق من الهزام …

كتبت خاطرتي الأسبوعية إذن لجريدتي بشكل مقالة كتبها أحد المخبرين المتقاعدين يعترض فيها على تقرير آخر رفعه زميله العامل إلى السلطة على أساس الإحتجاج على أن الأبيات مخالفة للسلوك الديني مما يفسد علاقة السلطة الحاكمة بالرعية المؤمنة بالدين و كان هدفي السخرية الضاحكة من سلوك المخبرين في كتابتهما للتقارير الرسمية .

و لكن إشكالا وقع فعلا مع المطرب صباح فخري الذي كنت من عشاقه في مختاراته الشعرية كما في تلحينه إياها وأدائها الرائع بصوته الخارق في طربه ورخامته إذ لم يفهم صباح فخري خاطرتي المنشورة إلا على أنها سخرية بوظيفة المخبرين عموماً شكلاً و مضموناً …. وقد فوجئت يومئذ بما وصلني من إحتجاجات صباح فخري ضد خاطرتي المنشورة تحت هذا العنوان : ” تقرير مضاد” و قد صادف انني  إلتقيت به في أحدالأعراس التي كان يحيها بأدائه المطرب الرائع إذ حاولت استرضائه بشرح وجهة نظري أن خاطرتي كانت ضد المخبرين و ليس ضده إطلاقا لكنه رفض الإصغاء إلي مما يوحي أنه زعلان مني و غير مستعد لفهم وجهة نظري.

و منذ ذلك الحين صرت حريصا في زاويتي الأسبوعية تلك أن أوضح موقفي من الأحداث التي أكتب عنها ، وهذا بالضبط ما جرى معي مؤخرا حين نشرت خاطرة في أسبوع مضى في ” موقع بوابة الشرق الأوسط الجديدة” عن زيارة لنا نحن الكتاب العرب للعاصمة الليبية في عهد معمر القذافي و نشر صورة لنا معه في خيمته الكبرى قرب العاصمة طرابلس بأنني من أنصار ذلك الديكتاتور السخيف وهذه بالتأكيد تهمة سخيفة أخرى حين أشرت في تلك الخاطرة بخطورة الإنقسامات المسلحة في ليبيا بعد القضاء على نظام القذافي والتي تهدد بتفتيت ليبيا إلى مناطق متعددة ومتعادية كما يبدو من أخبار ذلك القطر حتى الآن مما يدفع إلى الترحم على عهد القذافي الذي لم نكن من أنصاره أصلاً وإن لا …فقولوا لي حقاً ماذا يحدث الآن في ليبيا و قد بدا مؤخراً أن الدول الغربية لم تتخذ بعد موقفاً صريحاً وثابتاً من الجمهورية الليبية حتى الآن مما جعل روسيا تتدخل بأسلوبها المراوغ كي يكون لها حصة في بسط النفوذ الدولي الغربي و كأن ليبيا سوف تتحول إلى سوريا أخرى.

أو بتعبير شعري مستوحى من القصيدة المذكورة آنفا أن المليحة ليبيا بخمارها النفطي الأسود صارت معشوقة الدول الصناعية الكبرى في العالم طمعا بالسيطرة على ثروتها الخارقة بالنفط ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى