
قد تتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الخوف أغنية تقول في بدايتها :” يا صاحبي الخوف ، ما يطمن الخوف، وأنت ادينك باردة ، والفرقة دايم واردة” وهي تشير بوضوح إلى الفراق والبعاد الذي يمكن أن يحدث بين الأصدقاء والأهل والأحبة، وتشير إلى المرارة والعذابات التي قد تحدث جراء ذلك، وهو أمر لاشك سيحدث ذات يوم .
ليس هذا ما نعنيه بالضبط،، بل الخوف الذي هو أشد رعباً من الموت كما يقال، وكما يشهد من عاشوا لحظاته، وبما أن الإنسان عدو للإنسان كما هو حال بعض أبناء المجتمعات المتخلفة، فالخوف ربما ينتابنا نتيجة خلاف صغير على نصف متر من الأرض، أو أقل، وقد يكون بسبب خلاف في الرأي السياسي أو حول الدين، وربما حول فكرة لا تستدعي العداوة أصلاً وعندها تصبح الحياة مهددة بالخطر، والأصعب في تلك الحال هو عدم وجود نافذة للفرار كي ننجو بأرواحنا وجلودنا، وكي يقدر لنا العيش من جديد.
هناك مسرحية، يقول مطلعها: ” لو أن الأرض مربعة، لاختبأنا في زواياها، لكنها مستديرة، لذلك صار علينا أن نواجه الوجود” تطرقت إلى ذلك وصوت تلك الصديقة ما زال يدمي روحي ومسمعي بعد الأحداث الأخيرة التي جرت في بلادنا حيث كانت تردد، وهي تتشردق بالدمعات: “ما ضل حدا بحارتنا، الكل انقتل، كبار وصغار وطلاب, قتل وحرق” ثم انقطع الخط،، أو ربما أصابعي هي من فعلت ذلك وأنا عاجز عن عمل شيء، غير أنني بكيت حتى تبللت روحي بالدمع.
هذا الكلام لا يخيف وحسب، بل يقطع الأعصاب من جذورها، لكن الحياة تعطينا فسحة أمل نرى منها الشمس، وأثناء هروبنا المتكرر أيام الحرب أصبت بشظية في ساقي، وكادت تبتر، لكنني نجوت من ذلك بأعجوبة ولطف من الله، بعدها على الرغم من وضعي الصحي ونتيجة للحاجة الماسة، اضطررت للعمل مع واحدة من دور النشر الدمشقية، والغريب أنني كنت أصر على البقاء فيها حتى حلول الظلام، وهذا يرجع إلى ظني الذي ليس له علاقة بالواقع بأن القذائف لا تطلق في الليل، ومع ذلك كنت أرتجف رعباً حين أسمع صوت الرصاص حتى ولو كان بعيداً.
يبدو أن الخوف قد أخذني مع تلك المادة صوب القتامة والسواد من غير قصد مني.
عندما كنا نسكن في الريف البعيد في تلك البلدة المحاذية للوادي، ولم تكن الكهرباء قد وصلت إلينا بعد، وأيامها كانت شواربنا قد طرت حديثاً، وتدلت مثل خيوط رفيعة، وصرنا نشعر معها بفتوتنا وقوتنا، أذكر أن قريباً لنا جاء ليسهر في دارنا، وعلى الرغم من العتمة الشديدة أصر أن يعود، فالمسافة ليست بأكثر من ألف متر، بين بيتنا وبيته، وكان يجب أن يقطعها ركضاً، ومن شدة الخوف اصطدم بشيء ثقيل، وعندها صرخ وهو يدفعة بقوة نحو الوادي، وفي اليوم التالي وجد جارنا حماره ميتاً هناك.
وعن تلك المرحلة من العمر أروي حكاية صديقي الذي تمنعني خصوصية الحكاية من ذكر اسمه، فقد كان يعشق فتاة في البلدة المجاورة، وقد سهر عند أهلها، ثم دفعته عزة نفسه إلى رفض المبيت عندهم، كي يبرهن لهم عن قوته ورجولته، ولذلك رح يتسلق في ذلك الليل البهيم ذاك الصعود الشاق الذي يوصل إلى بلدتنا، وأثناء ذلك خرج له ضوء لامع من بين الصخور، فحسبه ضبع مفترس، عندها راح يركض مرعوباً والخوف ينهش قلبه، وحين وصل أول بيت من بيوت بلدتنا، دخله من دون إذن صاحبه، والذي راح يعنفه، ليس بسبب دخوله المفاجئ، بل لأنه يخاف من الضبع، وخشي أن يدخل من خلفه إلى البيت.
في صباح اليوم التالي جاءت دورية أمنية تريد اعتقاله، فهو قد هرب منهم في الليل، وقد ظنوا أنه متورط في التهريب، وعلى الرغم من سطوة الأمن في تلك الأيام، غير أن صديقي هجم على قائد الدورية، وكاد يخنقه، لولا تدخل أفراد الدورية وتخليصه من بين يديه، وقد فعل ذلك لأنه أمضى بقية تلك الليلة والكوابيس تسطو عليه، وقد تخيل أكثر من مرة أن الضبع المفترس يدخل حجرته ويستله من فراشه.
” يتبع”
بوابة الشرق الأوسط الجديدة