«الدائرة»… سومرست موم يسخر من تناقضات المجتمع

كتب سومرست موم مسرحية «الدائرة» عام 1921، أي بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها بثلاث سنوات، وفيها يحمل بسخرية كوميدية لافتة على الإمبراطورية البريطانية الهرمة والطبقة الأرستقراطية السطحية من حاملي الألقاب من رجال ونساء. وعلى عادة البناء الفني في مسرحياته يبدأ العمل من النهاية أو قربها ثم تكون العودة للوراء على طريقة «الفلاش باك».
هذا ما يشير إليه الناقد الراحل دريني خشبة في مقدمة العمل الذي صدرت منه طبعة جديدة عن «الهيئة المصرية لقصور الثقافة»، ضمن سلسلة «روائع المسرح العالمي»، ترجمة عزيز متري عبد الملك.
يشير خشبة (1903 – 1965) إلى تأثير نشأة موم على شخصيته، حيث ولد وشب في باريس عام 1874، في بيئة فرنسية متحررة قضى بها طفولته كلها في ظل والده سكرتير السفارة البريطانية، يتكلم بلغة غير لغته ولا يكاد يتحدث بالإنجليزية إلا في بيت أبيه.
تموت أمه وهو في الثامنة فيذوق كأس اليتم الأولى وتتبدل نظرته للحياة تبدلاً بطيئاً، ثم ينتقل للندن ويموت أبوه وهو في العاشرة، فيزدرد الكأس للمرة الثانية ويكفله عمه الطيب القس الذي سرعان ما يدرك أن ابن أخيه اليتيم مولود للدنيا لا للدين، فيلحقه بمدرسة «كنتربوري» الثانوية.
هناك يسخر منه أساتذته وزملاؤه، فلقد كان يأخذ الدرجة النهائية في اللغة الفرنسية بينما يأخذ «صفراً» في اللغة الإنجليزية التي لم يكن يجيد حتى التكلم بها فما بالك بكتابتها والإلمام بمصطلحاتها. ولا ييأس موم بل ينكب على هذه اللغة ويقرأها في الكتب والروايات ويدون مفرداتها ويرصد شواردها حتى تلين له بعض الشيء.
يتم موم دراسته الطبية التي لم يكن يشغل باله بها، مركزاً على دراسة الأدب والتفرغ للكتابة التي نذر لها نفسه. كان لم يزل «طبيب امتياز» حين كتب أولى قصصه الرائعة «ليزا فتاة لامبث»، ثم يكتب مسرحية أيضاً وهو لا يزال يعمل بالمستشفى باللغة الألمانية وتُعرض على أحد مسارح برلين فيقبل عليها أهل العاصمة ويعجبون بها، وهنا يتأكد موم أنه خلق للأدب وللكتابة بألوانها من رواية وقصة قصيرة ومسرحية.
تدور معظم رواياته ومسرحياته حول الحب الخائن الآثم والنزوات الزوجية ونفاق بعض رجال الدين الذين لا يلبث تدينهم أن يذهب أدراج الرياح أمام ابتسامة واحدة من أنثى. لم يكن يُعنى قط بفلسفة اجتماعية يدعو إليها ويبشر بها أو يعالج مشكلات الحياة بشكل فلسفي، فقط يعطيك لوحة جميلة بارعة من الدراما الاجتماعية التي لا تدعي الانشغال بقضايا الإنسانية ومشكلاتها الكبرى.
البطلة هنا «كيتي» التي فرت إبان حياتها الزوجية مع عشيق لها هو «بورتيوس»، بعد أن كانت تحيا حياة سعيدة مع زوجها الأول «كلايف» الذي أنجبت منه ولداً لطيفاً هو «أرنولد» لكنها تركته لأبيه في الخامسة من عمره لتنعم بغرامها في كنف عشيقها الجديد.
يمضي على هذه النزوة ثلاثون عاماً ويكبر الطفل ويصبح رجلاً، ثم يتزوج ثم تحضر أمه لزيارته ومعها عشيقها ويكون هناك زائر شاب يدعى «تدي» من رجال الأعمال لا يكاد يرى «إليزابيث» زوجة صديقه أرنولد، حتى يستلطفها كما تقع هى في غرامه فيتفقان على أن يكون كل منهما للآخر.
تصارح إليزابيث زوجها فلا يغضب أو يثور وإن ناقشها طويلاً في أسباب ذلك، وإمام إصرارها يضع لها مبلغاً ضخماً في حسابها البنكي حتى تحافظ على المستوى المادي الذي اعتادت عليه. تتأثر الزوجة بهذا الموقف وتكاد تعدل عن فكرة الرحيل مع عشيقها، لكن الأخير ينجح في إقناعها مجدداً بالرحيل معه وترك الحياة العاطفية الجافة التي تعيشها حيث لم يكن زواجها يقوم إلا على المصلحة. تقتنع «إليزابيث» بالنهاية وترحل معه إلى إحدى دول الشرق الأقصى، لتكرر ما سبق أن فعلته أم زوجها قبل 30 عاماً.
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية