خاص
التوقف عند الإنتاج الدرامي التركي مسألة ضرورية في سياق الحديث عن نهوض صناعة الدراما في العالم وانتشارها عبر المنصات وشاشات التلفزيون، وهنا لابد من الإشارة أن الجمهور العربي هو أهم الشرائح المستهدفة بالنسبة للدراما التركية بعد الجمهور التركي .
وبالتدقيق في المنتج الذي تقدمه لنا صناعة الدراما التركية مدبلجا أو مترجما إلى العربية، أو حتى باللغة التركية نفسها، نحن أمام نوعين من هذا الإنتاج : الأول ، تاريخي ، متقن ، شيق، ولكنه يحمل في طياته رسائل إيديولوجية خفية يمكن أن يتلمسها النقاد ببساطة .
والثاني يتضمن تلك الأعمال الاجتماعية التي تروج بشكل مباشر أو غير مباشر لعصر التفاهة بما فيه من تخريب للذائقة والقيم وترويج لأخلاق الغرب الجديدة .
ويمكن أن تتفرع أنماط أخرى ، لكن هذين النوعين هما الأجدر بالحديث عنهما، والتعاطي مع الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تحملها للمشاهد.
هذا يعني أن الدراما التركية لا تشتغل في رسائلها على جمهور تركي ضمن حدود الدولة الوطنية الحالية فقط، بل تتجه أبعد من ذلك بكثير، أو على الأقل، وهنا تكون الفكرة مثيرة للجدل، لايوجد سيطرة من الدولة التركية على هويات الأعمال التي تغزو أسواق تركيا والعالم لأت المنتج الدرامي متناقض في رسائله، وربما يكون مرد ذلك إلى أن الصراع بين التيارات العلمانية والقومية والإسلامية فتح هذا الهامش، وصار من الصعب تأطيره بأهداف موحدة، لذلك تم دفع توظيفات مالية هائلة في كل اتجاه.
على الصعيد الأول، وهو هنا تاريخي دعاوي أحيانا، قدمت الدراما التركية قبل عقود حكاية (السلطان محمد الفاتح) في تجربة تلفزيونية هامة في العمل النوعي الهادف إلى ترويج الإيديولوجيا، لكنه يبدو اليوم باهتا أمام ضخامة إنتاج مسلسلي (قيامة أرطغرل) و (عثمان المؤسس)، أو غيرهما من الأعمال الكبرى..
وكان يمكن أن يرقى مسلسل الفاتح إلى درجة أكبر من الاتقان لو أنه أنتج حديثا، لكنه يبدو اليوم وكأنه بروفة للأفكار التالية وخاصة أمام الأدوات الجديدة التي تستخدمها صناعة الدراما التركية التي تنهض وتتوالد بشكل غريب، ومع ذلك فتح ذلك المسلسل على الاهتمام بالتاريخ التركي/العثماني، وشكل محطة أو منعطفاً تم البناء عليه.
ونلاحظ على هذا الصعيد أننا أمام مشروع درامي لإحياء تاريخ الشخصيات القومية التركية ذات الصبغة الدينية ، وكأنها تريد إحياء فكرة (الخلافة الإسلامية /العثمانية) فمحمد الفاتح (القرن الخامس عشر) هو شخصية تاريخية يقف عندها التاريخ باهتمام لأن قيامه ب(فتح) القسطنطينية كان عملا تاريخيا مؤثرا في حياة أوروبا وتركيا والشرق الأوسط بكامله .
حقق محمد الفاتح انتصارات كبرى في حياته ، وخاصة عندما في معركة القسطنطينية ، مما دفع المُؤرِّخ الرومي «دوكاس» ليصف الصدمة التي أصابت بلاد الروم بالقول: «مَا رَأَينَا وَلَا سَمِعنَا مِن قَبلِ بِمِثلِ هَذَا الشَّيءَ الخَارِق؛ مُحَمَّدٌ الفَاتِح يُحَوِّلُ الأَرضَ إِلَى بِحَارٍ وَتَعبُرُ سُفُنَهُ فَوقَ قِمَمِ الجِبَالِ بَدَلًا مِنَ الأَموَاجِ، لَقَد فَاقَ مُحَمَّد الثَانِي بِهَذَا العَمَلِ الإِسكَندَرَ الأَكبَرَ».
وإذا كان المنجز الدرامي (محمد الفاتح) يأتي في سياقه التاريخي كمرحة صراع وتفوق من مراحل الدولة المعثمانية إلا أن الأعمال الأخرى ذهبت إلى الماضي التركي، ثم عادت إلى الدولة العثمانية لتقدم أهم منعطفاتها دراميا ، ومن هنا يأتي الحديث عن مسلسل قيامة أرطغرل كمنجز يدمج بين العقيدة الإسلامية والقومية التركية ، وفيما بعد مسلسل (عثمان المؤسس).
(يتبع ..)
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر