
حظيت الدراما السورية بالاحتفاء والتقدير في الفترة الماضية ضمن فعاليات موسم الرياض. وكانت مسرحية (عرس مطنطن) أحد تجليات هذا الاحتفاء الذي حمل في معانيه الكثير من التحفيز للانتقال بهذا الفن السوري الإبداعي من مرحلة الأعمال المفردة الباهرة الى مرحلة الصناعة مستدامة الإنتاج والتطوير والارتقاء والشمولية.
يبدو أن فكرة مسرحية “عرس مطنطن” جاءت من جهة سعودية (أقول يبدو). وتقوم الفكرة على جمع مشاهد ومقاطع من أعمال ومسلسلات ما يسمى “البيئة الشامية” وربطها في عرض يجمعه استعراضات تعبيرية راقصة من نفس الروح الشامية. ومن ذلك نتج (شو) استعراض درامي موسيقي غنائي تجاوب معه جمهور موسم الرياض بحرارة واندفاع وحماس وشغف. ويبدو أن إدارة الهيئة السعودية للترفيه بإشراف المستشار تركي آل الشيخ تلمس مدى حب الجمهور السعودي والعربي لأعمال البيئة الشامية، وأرادت أن تحيي شيئا من هذا الفن على المسرح لترضي وتلبي حنين الجمهور إلى إبداع أحبه على الشاشة الصغيرة. وقال النجم الفنان قصي خولي في إحدى لقاءاته التلفزيونية إن (حنين الجمهور لهذا الفن هو ما شده للحضور والتجاوب والتفاعل) حضر الجمهور ليشهد فنا أحبه ويحن إليه. الحنين للإبداع الفني ذائقة تستحق من القائمين على الإنتاج الدرامي دراستها كرافعة لإنتاج ابداعي يرتقي بأعمال البيئة الشامية كي يجعل من هذا الحنين عند الجمهور روحا متفاعلة مع ارتقاء أشكال ومضامين وأفكار هذه البيئة الحضارية الغنية. هذا الحنين لا يستحق الاحترام فقط ، بل ويستاهل ملافاته بالارتقاء بهذا الجنس من الفن الإبداعي الدرامي. وهذا ما يفتح طريق تحويل الدراما السورية الشامية وغير الشامية وكل أشكال ومواضيع الدراما لتصبح صناعة مستمرة ومتطورة ومرتقيه ومتجددة. وهذا نا يمهد الطريق لها لتغادر مرحلة الأعمال المفردة الباهرة الى الصناعة الراسخة.
اوكي نقول الحقيقة كاملة. فانه بالرغم من ان الدراما الشامية فيها ما يضمن الارتقاء والتطور وصولا إلى الصناعة الدرامية الإبداعية، إلا ان الحقيقة تقتضي منا الاعتراف أن أعمال ما يسمى بالبيئة الشامية ركزت في معظمها (معظمها وليس كلها) على الفرجة والطرافة الاجتماعية، وعلى الصراعات الساذجة في البيت الشامي. وحتى عندما حاولت مجاملة السياسة، جاءت المواقف الوطنية أقرب إلى البساطة والتبسيط إن لم نقل أقرب إلى السذاجة والسطحية. وغفلت هذه الأعمال عن الكثير من أعماق المجتمع الشامي الحضاري والثقافي السياسي الفني والمبدع. والذي يشكل منبعا للدراما الأكثر امتاعا لو جرى التعبير عنه واعتماده في أساس هذه الدراما الجميلة. والكل يعرف مدى ما تعرضت هذه الأعمال للانتقاد بسبب سطحيتها وبساطتها أو سذاجتها. وطبعا ليس كل أعمال البيئة الشامية كانت بهذه السطحي، ولكن معظمها والمشهور منها كان كذلك. ونحن نعترف بهذه الحقيقة لأننا نأمل أن يكون استثمارنا للحنين العربي إلى هذه البيئة في أعمالنا الدرامية مبنيا على الارتقاء في الأشكال الفنية وفي المضامين الإبداعية وفي احترام جوهر المجتمع الشامي النابض ببيئة أكثر وهجا وحرارة وتأثيرا لأنه مجتمع حضاري ثقافي متفاعل مع واقعه وتاريخه وتطلعه وللأفاق الأرحب. وكما نقرأ من الأغنية الافتتاحية لمسرحية عرس مطنطن، فإن القائمين على العرض بدأوا الارتقاء بهذا الفن ليقترب من روح المجتمع وحضاريته أكثر. حيث تقول كلمات الأغنية مخاطبة الشام (شو ظل ما حملتي . . . أم الوجع صرتي. . . لما الدني بتنضام. . . قومي وقفي يا شام . . .كل الدنيا أنت) وإذا عرفنا أن هذه الأبيات الافتتاحية الغنائية جاءت بعد الأبيات الشعرية التالية (هذه دمشق وهذا الدمع ينسكب/ إني تعبت وأهل الشام قد تعبوا/ قومي شآم دنا من جفنك القمر/ ملء السهاد كرى والليل ينتحب) ويبدو أن معدو العرض المسرحي قد التقطوا ما يجب الارتقاء به من روح المجتمع وحضاريته في التعامل مع التاريخ من اللحظة الراهنة إلى الآفاق المأمولة. وهذا مفتاح للارتقاء بهذه الدراما السورية وإبداعيتها وتوجهها لتكون أساسا من أسس صناعة درامية فنية إبداعية مؤثرة.
في موسم الرياض زهر حنين الجمهور العربي للدراما السورية. وفي موسم الرياض تتوفر عقلية تقود الإنتاج الدرامي العربي وتتولى بثه ونشره. لذلك فإن ما جرى في هذا الموسم من رعاية لصناع الدراما السورية، ومن حنين للبيئة الشامية وتطويرها، ومن تقدير لكل أنواع الدراما السورية. ما جرى في موسم الرياض يشكل أيضا مفتاحا للاستثمار في هذا الفن. ليس فقط بالاتكال على الإنتاج السعودي، أو بالتعاون مع الجهات الإنتاجية السعودية فقط، بل بالعمل على تفعيل طاقات الارتقاء بكل الفنون الدرامية السورية، ليصبح هذا الفن معبرا بحق عن روح وجوهر المجتمع السوري بحضارته المتفاعلة مع التاريخ من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل. وهذا الارتقاء يزيد من اهتمام كل الجهات المنتجة وعلى رأسها السعودية صاحبة الريادة الإنتاجية في هذا الزمان. فهل يستوعب القائمون على هذا الفن الإبداعي في سوريا معاني ما حصل في موسم الرياض؟؟؟ وهل يبدؤون في تكريس أسس صناعة درامية على أساس ابداعي. وبتقاليد عمل لا تقل إبداعا في العملية الإنتاجية عن الإبداعات الفنية الصناعة لهذا الفن الحضاري.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة

