الدفتر المزدحم
” العثرات جزء أساسي من قائمة طعام الحياة”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين ساهمت في دورة تدريبية لصحفيين من عمان، في مسقط… قررت الخروج عن الطريقة النمطية في تعليم أو تدريب الصحفي على قلب المعروف من المفهوم إلى المنحرف …” عض الكلب رجلاً” هو إخبار عن شأن طبيعي.اما الخبر- الخبر فهو “عض الرجل كلباً”.
قررت أن أدرب الصحفي على الكتابة. كيف تكتب عموداً أو مقالاً أو فكرة. وكانت النتائج في نهاية الدورة تستحق الانتباه. لقد اكتشف الزملاء/ هؤلاء أن الكتابة فعل شجاعة أولاً. وهي مهارة قابلة للاكتساب والتطور ثانياً، وثالثاً ورابعاً وخامساً: التعاطي المحترم والصبور مع خلافات الواقعوالأشخاص.تعلم تفعيل الفردانية.
لقد كتبوا في مواضيع متنوعة ،منها ماهو مؤسس على فكرة بسيطة: ماذا لو كان الحمار هومخترع الجزرة والعصا… الجزرة وهم الأمل. والعصا غذاء كاذب لنرجسية الإنسان. إنه، في النهاية تعديل طريف في شكل المصير المحتوم.
أمس… ساهمت في ورشة كتابة ـ كلها نساء، من ربة المنزل، إلى طالبة الأدب. من المحجبات إلى السافرات. ووجدت نفسي أمام نفس السؤال:
كيف تساهم في تعليم الكتابة.
وكان ملخص الجلسة وخلاصتها… إن الكتابة ليست مهنة، إنها محاولة لاكتشاف الدهشة، ومحاولة لإلباس الحقيقة عدة احتمالات. إنها التفكير بصوت مرتفع وحرف مرتفع وروح مرتفعة باحثة عن مناطق الجمال في الحياة والإنسان.
وقلت لهن: ليس هناك شعر هناك شاعر، وليس هناك كتابة هناك كاتب. ولإزالة الغموض عن هذه الفكرة قلت: الكاتب والشاعر حصيلة مكونات عديدة تجعله، في نهاية المطاف، شخصاً مختلفاً عن الآخرين. إنه عين ترى بحساسية خاصة مكونات الطبيعة والبيئة والإنسان.
واقترحت عليهن اقتناء دفتر، وليس لاب توب، لتسجيل الأفكار والخواطر، والتأملات، والذاكرة، ومقتبسات المعرفة، ومرتفعات الجمال. وأريتهم جزءاً من دفتري العشوائي المليء أياماً وأفكاراً ورغبات مقتبسة.
” هذا إميل حبيبي ـ الكاتب الفلسطيني المشهور بروايته “سعيد أبي النحس المتشائل” يقول: اليأس من الكماليات التي يمكن أن يقتنيها الإنسان. أما الشعوب فلا طاقة لها على اقتنائه”.
وبدأت اقرأ مقتطفات مما سجله الدفتر اليومي لمحترف الكتابة:
” أبدّل يومياً اليأس، كما أبدّل قمصاني”.
” الحياة تشبه الحمار القبرصي… لكي تسيطر عليه يجب ألا تنزل عن
ظهره”.
“صديق بسيط من الصعيد ينصح الكاتب المصري محمود السعدني بألا يرهق نفسه في الكتابة قائلاً: “ما أنت شايف طه حسين جراله إيه؟ أهو فضل يكتب لحد ما عمي”.
“قال الاستاذ عندمالاحظ طالبا يتعرق بشدة وهو يرسم خريطة العالم:
محمد… لماذا أنت متعرّق لهذه الدرجة. فقال محمد: لقد وصلت إلى خط
الاستواء أستاذ…”
“إذا صار الوطن غابة… ليس بالضرورة أن تصبح وحشاً”.
“اعطني جريدة أصنع لك رأياً عاماً. اعطني رأياً عاماً أصنع لك ثورة”.
“علماء الفلك يعتبرون الثقوب السوداء في السماء مقابر للنجوم”.
وأخيراً… أخيراً جداً:
“اترك المفتاح الصدىء إلى جانب الباب الذي خسرناه”
قالت إحدى المتدربات بعد انتهاء الوقت:
سأذهب فوراً لشراء هذا الدفتر.