الديمقراطية الغائبة

 

ثمة ظاهرة غريبة فعلا أن تتعرض الديمقراطية لدينا إلى غياب طويل مستمر منذ ألفي عام تقريبا … لكم قرأت و فكرت في العوامل العميقة التي حكمت عالمنا العربي – الإسلامي بأكمله و كرّست فيه نظام الإستبداد و كأنه قضاء و قدر لا سبيل لإلغائه !.

الموضوع عميق في تعقيده و عراقته الزمنية من الصعب الإحاطة به في خاطرة ، سنحاول على كل حال أن نوجز هدفنا الأساسي تحريض ملكة التفكير لدى القراء ،يمكن التركيز في هذه المحاولة على ثلاثة عوامل أساسية :

أولها : عامل التخلف الحضاري : المقصود بذلك أن الطابع الأساسي للتاريخ الإسلامي – العربي أنه فرض نقصا شفافيا أساسيا في تربيعة المجتمع منذ النهاية الفاجعة للعصر الراشدي إلى يومنا هذا حتى غدا تقليدا عريقا في نمط الثقافة الإجتماعية السائدة مع فرض أسلوب الخلافة طوال العصرين الأموي ثم العباسي و ما تعرض له من إنحطاط مع ضعف أسلوب الخلافة منذ بدايات القرن الرابع الهجري و تدخل الأعاجم في السيطرة على الحكم في ضواحي الامبراطورية الإسلامية حتى العاصمة بغداد و هجرة الخليفة العباسي إلى مصر ثم سيطرة العثمانيين على الخلافة ..

و ثانيها : الإنقلابات العسكرية المتواصلة : لم تكد تنعم الدول العربية بإستقلالها مع العصور الحديثة حتى إنفجرت الإنقلابات العسكرية بدءا من سوريا عام 1949 إلى مصر في الخمسينات إلى الأقطار الأخرى مدعومة من طبقة الجماهير الجاهلة و بعض المثقفين مما يؤكد أن الناس تعودوا عبر تاريخ الإستبداد الطويل ألا يرفضوا ظاهرة الحكم العسكري الديكتاتورية بسبب تعودهم على طبيعة التخلف الحضاري السائد منذ قديم الزمان .

و ثالثها : الفهم الخاطئ للإسلام : المدهش و المؤلم حقا في هذه الظاهرة الإستبدادية قد تسلحت بنفر واسع من فقهاء جهلة ما يزال لهم تأثيرهم العميق حتى اليوم في تكريس القناعات الجماهيرية عموما في أسلوب الحكم الذي ساد في الماضي على أنه يمثل “الدين ” حقا ، و هذا خطأ فادح في فهم الإسلام حين نذكر ما جرى قبل وفاة الرسول المسلم ” صلى الله عليه وسلم” حين إجتمع حوله الصحابة يستشيرونه في أمور الحكم بعده كيف أنه أصر على أهمية أسلوب ” الشورى” وكيف ضاعت هذه النصيحة الغالية التي عبر عنها حتى القرآن الكريم في بعض آياته ، و كيف إحتكرت الأسرة الأموية حق الخلافة بالقوة بعد إغتيال الصحابي الكبير على بن أبي طالب ” رضي الله عنه ” آخر الخلفاء الراشدين ثم في العهد العباسي الذي حافظ على إحتكار الخلافة ضمن العائلة الواحدة مثل الأمويين وهذا بالتأكيد ما ترك أثره السلبي البالغ في بناء التفكير السياسي عموما لدى العائلة الواحدة : حين وافق الخليفة العباسي الأخير و الذي هاجر إلى مصر و إنتقلت بذلك السلطة إلى القادة العسكريين الأعاجم في بغداد إلى أن وافق هذا الخليفة العباسي المهاجر على التخلي عن لقب الخلافة إلى السلطان العثماني الذي احتل مصر .. و هذا بالتأكيد ما ترك أثره السلبي البالغ على نمط التفكير السياسي لدى المسلمين عموما إلى  أيامنا هذه !!.

تلك هي في تصورنا العوامل الأساسية الداخلية في غياب الديمقراطية لدينا و التي ازدادت سوءا بعد تدخل العامل الإستعماري الغربي في إبقاء الإستبداد حتى الأن … فما رأيكم دام فضلكم ؟!…

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى