تاريخ

الدين وحرية المعتقد والعروبة في الدساتير السورية (1/2)

ملكون ملكون

يتعامل السوريون مع دستور بلادهم كحالة غائمة ضبابية، يعرفون أن هناك دستور ولكن لا يُظهرون اكتراثاً بمضمونه، فالدساتير سُوِقَتْ لهم كمفاهيم عامة وواجبات ومحاذير حتى عندما كانوا يُدعَون للاستفتاء على الدستور كانوا يصوتون بــــ “نعم” وغالبيتهم لا تعرف المضمون بل مجرد “حق” من حقوق المواطنة بالنسبة لهم يمارسونه و”كفى المؤمنين شر القتال “.

 

ويكشف التاريخ الدستوري السوري “استسهال” تغيير الدساتير كلياً أو تعليق العمل بها جزئياً أو تعديل ما لا يناسب البعض، وهذا يجعل الدستور السوري “الحلم المنتظر” أمام امتحان وضع القواعد الدستورية الصارمة لضبط تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك عبر  إخضاعها للسلطات المدنية الاخرى من جهة ومن جهة اخرى وضع قيود على عملية تعديل الدستور بشكل يجعل العملية اكثر صعوبة مما اعتدنا تتبعه في الواقع السوري وبقرب الدستور في بعض أحكامه من فكرة الدستور الجامد وذلك في ما يتعلق بالقواعد الجوهرية الأساسية التي يتم الاتفاق عليها .

مسارات دستورية

1مشروع الدستور الملكي في ظل الحكم العربي 1919-1920

إثر انهيار السلطنة العثمانية بخسارة الحرب العالمية الأولى عام  1918 وانفصال سوريا مع البلدان الاخرى عن تركيا رسمياً، تم تأليف أول حكومة سورية بعد دخول الملك فيصل إلى دمشق اوائل تشرين الأول /اكتوبر 1918 حيث تم انتخاب المؤتمر السوري الذي بايع الملك فيصل ملكاً على سوريا (التي تشمل سوريا ولبنان والاردن وفلسطين) واتخذ المؤتمر السوري قراراً بتاريخ 6 آذار/مارس 1919 وبناءً على طلب الأمير فيصل لتقرير شكل الدولة ووضع دستور للبلاد، فتألفت لجنة من عشرين عضواً برئاسة “هاشم الاتاسي” لوضع الدستور، وبعد عشرة أسابيع أنجزت اللجنة مهمتها ووضعت مشروعاً يتألف من 147 مادة، وأتمت مراجعته في 3 تموز/ يوليو 1920، وعُرض المشروع على المؤتمر فوافق بعد المناقشة على المواد السبع الأولى في 13 تموز /يوليو ولكن لم يستطع المؤتمر أن يتابع مهمته بسبب إنذار غورو وما تلاه من أحداث انتهت بموقعة ميسلون ودخول الجيش الفرنسي دمشق في 24 تموز/ يوليو وانتهاء عهد الحكم العربي ومغادرة الملك فيصل للبلاد.

2دساتير مرحلة الانتداب 1928 / 1943

تشمل هذه المرحلة بصورة أساسية مشروع دستور 1928 الذي تم تعطيله وتعديله والعمل به عدة مرات ما بين أعوام 1930 / 1943.

تضمنت المادة الأولى من صك الانتداب الصادر عن الحلفاء في لندن في 24 تموز / يولييو 1924 إلزام السلطة المنتدبة ان تضع خلال ثلاث سنوات من بدء الانتداب  قانوناً أساسياً لسوريا ولبنان، وفي عام 1925 ومع تفجر الثورة السورية اضطرت فرنسا إلى تعديل سياستها، وبدأ عهد المفوض السامي السياسي الذي دعا الى انتخابات عامة تنبثق عنها جمعية تضع نظاماً أساسياً للبلاد، وقد ضمت الجمعية التأسيسية التي تألفت من 67 عضواً من أقطاب الوطنيين في البلاد، وانتخب ” هاشم الاتاسي” رئيساً لها كما انتخبت لجنة لوضع الدستور من سبعة وعشرين عضواً برئاسة “ابراهيم هنانو”، واختارت من بين أعضائها لجنة تحضيرية لصياغة المشروع، وعُين “فوزي الغزي” استاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة دمشق مقرراً لها، وقد أنجزت اللجنة عملها ولكن في الجلسة التي خُصصت لمناقشة المشروع أبلغ المفوض السامي الجمعية اعتراضه على مواد محددة من المشروع لمخالفتها “العهود الدولية التي يحدد بعضها مسؤولية الدولة المنتدبة أو يقتضي الاتفاق المسبق مع الحكومة الفرنسية”.

واتخذت الجمعية في 9 آب/ اغسطس 1928 قراراً بأغلبية 61 عضواً من أصل 67، برفض الطلب الفرنسي، وفي 11 آب/اغسطس أبلغ المفوض السامي الجمعية تأجيل جلساتها لمدة ثلاثة أشهر، وتكرر التأجيل ومن ثم صدر قرار بحل الجمعية، وبتاريخ 14 ايار/ مايو 1930 أصدر المفوض السامي بإرادته المنفردة الدستور السوري وهو في جوهره مشروع دستور 1928 نفسه الذي كانت تناقشه الجمعية التأسيسية بعد تعديل بعض مواده وقد تم تعطيل العمل بهذا الدستور عدة مرات ولسنوات عدة.

في عام 1932 في فترة حكم الجنرال ديغول أصدر الجنرال كاتر” قراراً أعاد بموجبه تطبيق الدستور، وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1943 قرر المجلس النيابي بالاجماع اعتبار المادة 116 من الدستور السوري المتعلقة بالانتداب غير نافذة (كأنها لم تكن لإنها أُضيفت من سلطة أجنبية على الدستور الذي وضعته الجمعية التأسيسية)، واعتبار مقاطعتي العلويين وجبل الدروز ضمن أراضي الجمهورية السورية.

3مشروع دستور 1949

بتاريخ 30 آذار/ مارس 1949 وقع انقلاب عسكري بقيادة “حسني الزعيم” وتولى رئاسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي 4 حزيران /يونيو أصدر مرسوماً يقضي بإجراء استفتاء شعبي لتنصيبه رئيس الجمهورية وتخويل رئيس الجمهورية وضع دستور جديد يُصَادق عليه إما بطريق الاستفتاء أو من قبل مجلس النواب بعد انتخابه، وجرى الاستفتاء في 25 حزيران / يونيو 1949 واعلن انتخابه رئيساً للجمهورية (بالاجماع تقريباً، وكان قد ألف في 7 نيسان/ ابريل لجنة لوضع مشروع للدستور بموجب المرسوم رقم 5 لعام 1949 من سبعة أعضاء، تم تعديلها لاحقاً، وقد أنجزت هذه اللجنة مشروعها بتاريخ 27 حزيران / يونيو 1949 ولكن انتهى حكم “الزعيم” بتاريخ 14 آب/ اغسطس 1949 عقب الانقلاب العسكري الثاني وقبل انقضاء مهلة الأربعة أشهر التي مُنحت له لإصدار دستور بموجب استفتاء انتخابه.

4دستور 1950

حدث الانقلاب العسكري الثاني بقيادة سامي الحناوي الذي أعطى الحكم لحكومة مدنية وضعت قانون انتخابات عامة حيث جرى انتخاب جمعية تأسيسية في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1949.  أصدرت أحكاماً دستورية مؤقتة وانتخبت هاشم الاتاسي رئيساً للدولة في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1949 يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية وفق دستور 1930 لحين وضع الدستور الجديد، وبعد خمسة أيام أي في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1949 وقع انقلاب أديب الشيشكلي الأول واستقال رئيس الدولة ثم تراجع عن الاستقالة واستمرت الجمعية التأسيسية بالعمل على صياغة الدستور تحت سيطرة فعلية “لأديب الشيشكلي” وتم إقرار الدستور الجديد في 5 أيلول / سبتمبر 1950 من قبل الجمعية الـتأسيسية.

5دستور 1953

بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر 1951 تولى أديب الشيشكلي مهام رئاسة الدولة بعد انقلابه العسكري الثاني فوضع مشروع دستور باسم المجلس العسكري الأعلى ووجه كتاباً بتاريخ 16 حزيران/يونيو 1952 إلى فوزي سلو الذي كان يمارس سلطات رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الوطني واختصاصاتهم طلب فيه استفتاء الشعب بمشروع الدستور المقدم وفق هذا الكتاب وباتخاذ الاجراءات اللازمة، ووسط رفض المعارضين الذين دعوا الى عصيان مدني أعلنت الحكومة حالة الطوارىء ونظمت الاستفتاء المطلوب يوم السبت 11 تموز / يوليو 1953 وكانت النتيجة الموافقة على الدستور وعلى تنصيب “الشيشكلي” رئيساً للجمهورية.

6دستور 1958

بتاريخ الأول من شباط/ فبراير 1958 زار مصر وفد سوري برئاسة شكري القوتلي واجتمعوا بالرئيس جمال عبدالناصر، وانتهت الاجتماعات بإعلان الإتفاق على توحيد مصر وسوريا في دولة واحدة تسمى الجمهورية العربية المتحدة.

 

ويوم 5 شباط /فبراير 1958 ألقى كل من الرئيسين (شكري القوتلي وجمال عبد الناصر) بياناً تم فيه إعلان الوحدة والمبادىء الدستورية التي ستقوم عليها الدولة، وتضمن الاعلان الذي ينظم الفترة الانتقالية سبعة عشر مبدأً، وحدد الإعلان يوم 21 شباط / فبراير 1958 لإجراء استفتاء على الدولة الجديدة وعلى اسم رئيس الجمهورية، بالفعل تم الاستفتاء في موعده وتأسست الجمهورية العربية المتحدة يوم 22 شباط/ فبراير 1958 ويوم 5 آذار/مارس 1958 اعلن الرئيس عبدالناصر من دمشق الدستور التفصيلي المؤقت لدولة الوحدة الذي كان يتكون من ثلاثة وسبعين مادة تُفصّل المبادىء السبعة عشرة التي وردت في إعلان 5 شباط / فبراير.

بطبيعة الحال لم يختلف الأمر هنا عن المراحل السابقة من حيث انفراد شخص أو جهة بصياغة دستور البلدين معاً ودون الحق بأي مناقشة أو اعتراض ودون الحاجة أيضاً للاستعانة بالشعب شكلياً لإقرار مسودة الدستور والتصويت تلقائياً “بنعم ” إذ دخل الدستور حيز التنفيذ بمجرد إعلانه من رئيس البلاد دون استفتاء.

7دستور عهد الإنفصال 1961

بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر 1961 وقع انقلاب عسكري في سوريا بقيادة عبدالكريم النحلاوي أدى إلى الإنفصال عن مصر وتكليف حكومة مدنية وضعت دستوراً مؤقتاً كما تم انتخاب المجلس التأسيسي والنيابي ومهمته الأولى وضع دستور دائم حيث تم تكليفه بأن يتولى مهمة وضع دستور للجمهورية خلال مدة أقصاها ستة أشهر يتحول بعدها إلى مجلس نيابي، وقام هذا المجلس بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1962 بإعادة تطبيق دستور 1950 مع بعض التعديلات .

موضوعياً لم يختلف الأمر هنا عما سبق إذ كانت البلاد فعلياً تحت حكم عسكري قام بانقلاب، وحرص على مراعاة بعض الأمور الشكلية الدستورية “استفتاء مجلس تأسيسي” ولكن على أن يمتد هذا الحرص إلى مضمون هذه العملية وجوهرها.

( يتبع )

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى