الذهب : حكاية سورية أخرى !

خاص :

في الحكاية الشعبية السورية، يرتبط الذهب بالأحلام، وفي الواقع يرتبط الذهب بالثراء، وكان عند السوريين حكايات تتحدث عن أثرياء كانوا يخزنون الذهب ((بالتنكات))، وعن فقراء عثروا على كنوز من ذهب، وعن أميرات تركن الذهب والفضة من أجل فرسان أحلامهن .. وبين مرحلة وأخرى يعود الحديث عن الذهب، وكأنه حديث مساء، وهذا النوع له بريق جذاب آس، أما في حرب السنوات الخمس التي مرت على السوريين، فالذهب له علاقة بالخوف ، وعندما خاف البعض باعوا كل شيء واستبدلوه بالذهب!

طرح أحد المواطنين السوريين السؤال على أصدقائه وأقاربه : أيهما أفضل ؟ الدولار أم الذهب ؟ وبسرعة تمكن من اتخاذ القرار: الذهب ، ثم الذهب، وصاحب النصيحة هو من تجار الذهب أنفسهم، واشتعلت سوق الذهب، ثم راح السوريون يستبدلون أملاكهم وأموالهم بالذهب، وكأن الحرب ستترك لهم الذهب بأمان . ارتفع سعر الذهب، ومع كل يوم يتقدم في الحرب السورية التي بدأت بعد 15 آذار 2011 ، كان الذهب يرتفع ، وكان الدولار يبحث عن موقع له في سلم الغلاء، وكانت الليرة السورية تقاوم !

في شهر أيلول عام 2012 كان الذهب يرتفع بشكل لافت ومخيف ، وذكرت الصحافة أن أسعار الذهب في سورية أخذت بالارتفاع في وقت توقفت فيه عمليات البيع بنسبة 90% لانعدام المدخرات لدى المواطنين . وفي التفاصيل أن : سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا ((وقتها )) بلغ 3525 ليرة
سورية .

كان السيد جورج صارجي رئيسا للجمعية الحرفية للصاغة والمجوهرات، فشرح المسألة بقوله : إن “سبب الارتفاع مرتبط بارتفاع سعره عالميا ولاعلاقة للظروف المحلية بذلك، حيث ارتفعت أونصة الذهب 85 دولاراً عن الأسبوع الفائت ((تصريحه)) لتسجل 1767 دولارا “. وكان الصارجي يخفي الحقيقة ..

وفي إضافة متناقضة مع هذا التفسير، قال لصحيفة “الثورة ” الحكومية : ” إن حركة البيع والشراء شبه متوقفة بسبب حالة الاشباع التي وصلت اليها السوق المحلية نتيجة الإقبال على ذهب الادخار من ليرات واونصات ذهبية خلال الفترة الماضية، إضافة الى استنفاد المواطن مدخراته ومستلزماته المالية على شراء ذهب الادخار خلال الفترة الماضية “.

كذلك نقلت الصحف عنه رأيه بأن من الأفضل لمن يرغب بالشراء أن يبادر إلى شراء ذهب الادخار فوراً لأن أسعاره إلى ارتفاع حكماً، نتيجة ارتفاعه عالمياً في بورصتي لندن ونيويورك تحديداً، حيث سجلت الأونصة الذهبية في الأسواق العالمية سعر 1771.5 دولاراً أمريكياً، مؤكداً أنه سعر غير ثابت ومرشح للارتفاع بنسبة عالية نتيجة عوامل عدة، وصولاً إلى سعر 2000 دولار أمريكي للأونصة الواحدة، وعندها سيكون سعر الغرام الواحد من الذهب عيار 21 قيراطاً في سورية 5 آلاف ليرة سورية، مع نهاية العام الحالي ((2012)) .

كم يبلغ سعر الغرام اليوم ؟!

حسب نشرة اليوم الأول من شهر آذار الحالي 2016 بلغ سعر الذهب من العيار نفسه: 15400 ، أي أنه زاد ثلاثة أضعاف عن سعره في عام 2012 ، وتقول الصحفية ميليا أسبر في تحقيق لها بعنوان : ((الحرب على الذهب)) نشرته صحيفة تشرين إن الحرب التي تشنّ على مادة الذهب أشبه بالحرب الباردة هدفها التدمير الممنهج، والمدروس للاقتصاد الوطني..

ونقلت ميليا في تحقيقها عن غسان جزماتي رئيس الجمعية الحرفية للصاغة الحالي تأكيدا شبيها بتأكيد الصارجي أن أسباب ارتفاع الذهب وبشكل أساس يعود إلى ارتفاعه عالمياً، موضحاً أن ارتفاع الأونصة عالمياً جاء نتيجة ضغط الولايات المتحدة الأمريكية على البنك المركزي الفيدرالي الذي قرر تأجيل رفع الفائدة في البنوك مدة ستة أشهر أخرى، ما دفع أكثر المستثمرين للاتجاه نحو الذهب، الذي حقق مكاسب كبيرة، إضافة إلى ((محاربة الاقتصاد السوري)) ، وبدت العبارة الأخيرة غير ذات أهمية على عكس الواقع !!..

القصة أن سوق الذهب في سورية لاتعني عمليا إلا أولئك الذين يستطيعون اقتناء الذهب أو المتاجرة به، وهذه الفئات قليلة ، لكن آثار المضاربات والسوق تنعكس على السوريين الذي بالكاد يستطيعون شراء الخبز والطعام .

لقد ضاع زخم الحكاية السورية عن الذهب وأحلامه، وهناك من أثرى نتيجة اللعب بسوق الذهب، وهناك من جاع نتيجة ثراء من أثرى، لكن الذهب يبقى في الحكاية السورية مرتبطا بالأحلام والقوة، لذلك استبدل السوريون أموالهم نتيجة الخوف من الحرب، لكن الحرب عادت وأكلت تلك الأموال .. نعم تلك الأموال التي لم تدخل في صميم الاطمئنان المرتجى !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى