كنا نظن، وكتبنا هنا، أن تغيير المنطقة سيتم على نار غزة، ولكن الرئيس بايدن ذهب أبعد من ذلك معتبراً أنه وبسبب الأزمات في أوروبا (أوكرانيا) وفي الشرق الاوسط (غزة) فإن العالم يواجه (نقطة إنعطاف )، وأن الاختيارات التي ستأخذها أمريكا وشركاؤها ستحدد اتجاه مستقبل العالم لأجيال قادمة، أي أن بايدن وضع غزة مع أوكرانيا و اعتبرهما(إنعطاف) لتغيير اتجاه العالم.. فكيف يرى بايدن أنه يستطيع تحقيق رؤيته هذه ؟؟؟
كتب بايدن في الواشنطن بوست (18 تشرين الثاني) رؤيته لـ ( نقطة الانعطاف ) التي يعيشها العالم نتيجة اشتعال غزة مع استمرار النار في أوكرانيا. وطبعا الانعطاف أو تغيير اتجاه العالم يحمل كل معاني التغيير. و طريق هذا التغيير حسب بايدن فقد جاء في مضمون سؤالين طرحهما الرئيس الأميركي : الأول (هل سنحرم حماس من القدرة على ارتكاب الشر المحض؟) .. والسؤال الثاني ( هل سنحمل بوتين المسؤولية عن عدوانه حتى يتمكن الشعب الأوكراني من العيش الحر، وتظل أوروبا مرساة السلام والأمن العالميين؟؟). أي أن بايدن يرى في حرمان حماس من القدرة هو هدفه في غزة وليس القضاء عليها. ولكن هذا في فنون الحرب يعني هزيمة حماس. اما محاسبة بوتين فهذه ربما تعود في ميزان القوى الحالي إلى خانة (التمنيات البعيدة عن الواقع). كما وتندرج ربما تحت ( تصنيف بيع الأوهام) أيضا .
أوضح بايدن وسيلته. وهي ( مواصلة الغرب لرؤيته الإيجابية للمستقبل وعدم السماح لمن لا يشاركونه قيمه بجر العالم إلى مكان أكثر خطورة وانقساما ). أي أنه يريد من الجميع المشاركة في العمل معه ضد حماس و بوتين أيضا. كما و ستتولى أميركا القيادة لأن عدم قيامها بذلك، حسب بايدن, يهدد أمنها القومي وينذر بإتساع خطر الصراع وارتفاع التكاليف ..
المشكلة في طرح بايدن انه يعتبر حماس قوة تعتدي على (ديمقراطية جارة ) “إسرائيل”، ولم يعترف أن الكيان الصهيوني احتلال غاشم وعدوان مستمر. وحصار مقيت. وهذا ما يولد ضرورة مقاومته. اما عن حل ومستقبل الفلسطينيين فكرر بايدن مطالبته بـ (حل الدولتين) . دون أن يوضح لنا كيف سيطهر الأراضي الفلسطينية المخصصة للدولة الفلسطينية من الاستيطان والمستوطنين أيضا. الذين يخلقون بتواجدهم الإستيطاني ما ينسف هذا الحل. كما و يلغي إمكانيات تحقيقه أيضا.
طرح بايدن واضح، حماس وبوتين أعداء الديمقراطية، وخطر على العالم . وأن هزيمتهم تحدد اتجاه مستقبل العالم لأجيال. وبالتالي فإن التغيير بعد نقطة الانعطاف حسب بايدن يقوم على إلغاء هذا الخطر ( حماس و بوتين ) أيضا. ولكن ماذا عن خطر الاحتلال والاستيطان والعدوان الذي تمارسه إسرائيل ضد العرب والعروبة في فلسطين والدول العربية ؟؟ وماذا عن التوسع الأطلسي الغربي المهدد لأمن روسيا واستقرارها ومكانتها ؟؟؟ هل يمكن للعالم أن ينعطف في الاتجاه الذي حدده بايدن دون أن يكون لأصحاب الأرض في فلسطين ولأصحاب المصلحة في روسيا. ولاصحاب القرار في المنطقة والعالم رأي و فعل في تحديد هذا الاتجاه؟؟؟ وهل فكر بايدن ان بمقابل الإنعطاف الذي رآه والاتجاه الذي حدده أن هناك إنعطافاً تقرره الشعوب وحقوقها القومية والاستراتيجية أيضا. وهذا ما سيقرر اتجاه العالم بعكس الهيمنة والسيطرة العدوانية الصهيونية الغربية الأمريكية…
بوتين وروسيا بينا استجابتهم تجاه أمريكا والغرب. بقي ان نرى نوعية استجابة العرب والدول العربية ومدى امكانيتهم للتأثير في تحديد الانعطاف وتوجيه المستقبل الناتج عن غزة وأوكرانيا الاتجاه الصحيح …
بوابة الشرق الأوسط الجديدة