الربيع العربي .. ثلاث سنوات عِجاف تحيل المنطقة العربية إلى خريف طويل (حازم عبد الله)

 

حازم عبد الله

تستعد المنطقة العربية لدخول رابع أعوام "الربيع العربي"، ويبدو العرب ومعهم العالم في حالة مراجعة للحسابات بعد ثلاث سنوات وقعت خلالها أحداث جسام، ويراقب الخبراء عن كثب ما ستسفر عنه قادم الأيام، خاصة في مصر التي يفصلها نحو ثلاثة أسابيع عن عملية الاستفتاء على مشروع الدستور المعدَّل كأول استحقاق لخطة "خارطة المستقبل" للمرحلة الانتقالية التي تلت عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي.
ويتذكر العرب ومعهم العالم كيف بدأ "الربيع العربي" بحريق حينما أشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده يأساً من أن تتحسن أوضاعه المالية ومن أن تخف القبضة الأمنية وتتحقق العدالة في بلاده، وكيف أن الحادثة تدحرجت ككرة ثلج ازدادت صلابة وسماكة في طريقها إلى مصر ومنها إلى ليبيا ثم إلى سوريا واليمن قبل أن تتوقف في مصر مرة ثانية في 30 حزيران/يونيو الماضي، لتبدأ في التحطم وتتطاير شظاياها لتصيب عيون العالم بالدهشة، وعقول دعاة "نظرية الفوضى الخلاقة" بالصدمة، وقلوب البسطاء بالحيرة التي يلخصها سؤال كبير .. هل تحوِّل تلك الثورات أجواء المنطقة العربية إلى الربيع المنشود أم تستحيل المنطقة معها خريفاً؟
وقد مثَّلت أحداث السنوات الثلاث الماضية دافعاً لمحللين سياسيين وخبراء للبحث في انعكاسات تلك الأحداث على واقع المنطقة العربية ومستقبلها، ومن بينهم الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة الذي قال لـ "أنباء موسكو" إن "حالة شاملة من الإحباط تسود الجماهير العريضة من الشعب المصري لعدم تحقق تقدم ملموس في حياتهم على الصُعُد المعيشية والاقتصادية والسياسية، مشيراً إلى أن المرحلة الانتقالية ما بين نظام مستقر وثابت وبين ولادة نظام جديد هي عملية فوضوية بطبيعتها".
وأوضح صادق أن من "بين ملامح الفوضوية عقب سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك هو انتخاب برلمان قبل وضع دستور جديد، على عكس المتعارف عليه في العلوم السياسية على مستوى العالم، معتبراً أن ما يحدث في مصر بعد عزل مرسي هو عملية لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية حيث تم تعديل الدستور ليتم انتخاب البرلمان المقبل على أساس دستوري وتكون الأرض ممهدة أمام إجراء انتخابات رئاسية".
وتقوم مؤسسات الدولة المصرية حالياً بعملية حشد غير مسبوقة لحث المواطنين على الموافقة على مشروع الدستور، وخصَّصت وسائل الإعلام المحلية وقتاً معتبراً من خريطتها البرامجية لتغطية فعاليات يحاضر فيها ساسة وكتاب وأعضاء في "لجنة الخمسين" التي أعدت مشروع الدستور لشرح مواده التي تميزه عن الدساتير السابقة خاصة تلك المتعلقة بالحريات وبكفالة الدولة لحقوق الشباب والمرأة والعمال والفلاحين وأصحاب الاحتياجات الخاصة.
وأشار الدكتور مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في اتصال مع "أنباء موسكو" إلى أن الموافقة على مشروع الدستور بأغلبية كبيرة من شأنه توفير أجواء مواتية تساعد على التحرك نحو ديمقراطية سليمة في مصر، منبَّهاً إلى أن تحرك المصريين ناحية الاستفتاء بالإضافة إلى اختيار رئيس وزراء للحكومة التونسية لا يعني أن الصورة تحولت إلى اللون الوردي في بلدان الربيع العربي، لأن الأوضاع الأمنية ما زالت متردّية وبالتالي فإن الاقتصاد ما زال متراجعاً".
ولفت علوي إلى الأوضاع في مصر وتونس وإن كانت غير مستقرة إلا أنها من ناحية لا يمكن أن تُقاس بما تكابده سوريا وليبيا واليمن، وتشي من ناحية أخرى باحتمالات محدودة للتحسن.
واحتمالات التحسُّن في أوضاع مصر، باعتبارها أقل دول الربيع العربي من ناحية المعاناة ومشاهد العنف اليومي، وإن كانت تبدو قابلة للتحقق ولأن تتحرك باتجاه تحقيق أهداف الثورة غير أن ذلك يحتاج مدى زمنيا يقدّره الدكتور سعيد صادق بما بين 15 و20 عاماً، "مع الأخذ في الاعتبار التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات التي يشهدها العالم حالياً، وهو عكس فترات أطول احتاجتها فرنسا على سبيل المثال لتحقيق أحد أهداف ثورتها وهي المساواة، إذ حصلت المرأة الفرنسية على حق التصويت في الانتخابات العامة عام 1944 أي بعد 155 عاماً من قيام الثورة".
وفي سياق رؤية الخبراء لأن تتطلب الأوضاع في مصر فترة ليست بالقليلة لكي تتحسن وتحقق أهداف الثورة، حذَّر الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان، في اتصال مع "أنباء موسكو" من وجود إمكانية لأن تتجدَّد الثورة في الشارع مرة أخرى، في حال لم يتم "مأسسة الثورة" بأن تتحول إلى مؤسسات أو أن يتم دمج من قاموا بالثورة داخل مؤسسات الدولة.
وأشار عودة إلى أن "حصول مشروع الدستور على نسبة كبيرة من موافقة المواطنين سيؤكد أن المشروع نجح في تحقيق توازن مطلوب بين مختلف تيارات وأفكار المجتمع المصري، مذكِّراً بأنه تم إعداد مشروع الدستور بناءً على ثورة لم يشارك جميع المصريين فيها". 
ويرى محمود عبد الرحيم منسق "اللجنة الشعبية للدستور المصري" في مناقشة مع "أنباء موسكو" أن "الربيع العربي" "تحوّل بعد ثلاث سنوات عصيبة على الشعوب العربية إلى ما أسماه "كابوس مرعب"، مشيراً إلى أن حجم الاحباطات التي أصابت المواطن المصري كما التونسي والليبي وغيرهم هي كبيرة بقدر التوقعات العظيمة التي كانت مأمولة عند رحيل الأنظمة السابقة".
ورأى عبد الرحيم أن "الربيع العربي" تحول إلى "خريف طويل" مع عدم حدوث أي إصلاحات ملموسة والعجز عن تلبية الحد الأدنى من الشعارات التي رفعتها "ثورات الربيع العربي" في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ووضعها موضع التتفيذ على الأرض علاوة على تردي الأوضاع المعيشية والأمنية بشكل أكبر وحالة فوضى عارمة، معتبراً أن ذلك أدى إلى انتشار حالة من انعدام الثقة في مستقبل أفضل.
كما أشار الدكتور مصطفى علوي إلى أن من بين الاحتمالات المحدودة لتحسُّن أوضاع دول الربيع العربي، أن ينجح مؤتمر "جينيف 2" لنقل سوريا إلى وضع أفضل، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب توافقاً دولياً حقيقياً خاصة من الجانب الروسي على خطوات الحل السلمي للأزمة السورية.
 
ولفت علوي إلى أنه من بين انعكاسات حالة الربيع العربي، والحالة التي أنتجها أثَّر بالسلب على القضية الفلسطينية الذي تراجع الاهتمام العربي بها فضلاً عن الاهتمام الدولي، وبات ذلك الاهتمام متجلياً من ناحية الشكل من دون مضمون حقيقي ورغبة جادة في حل القضية التي مر عليها أكثر من ستة عقود.
ورأى أن هوة واسعة باتت تفصل الموقف الفلسطيني عن موقف الحكومة الإسرائيلية التي وإن كانت قد قَبِلت الخطة الأميركية للسلام مع الفلسطينيين إلا أن الأداء والسلوك الإسرائيلي في الضفة الغربية لا يعكس أي رغبة في حل القضية الفلسطينية وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي.
وبعد ثلاث سنوات عصفت بالمنطقة العربية، فإن سؤالاً رئيسياً يطرح نفسه الآن وهو ألم يكن من الأجدى بذل الجهد من أجل تقويم سياسات الأنظمة بدلاً من إسقاطها ودخول البلاد في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار كلَّفت مصر نحو 30 مليار دولار من احتياطيها النقدي وآلاف من القتلى والمصابين من شبابها، وخلقت حالة من عدم الاستقرار ف تونس، وكبَّدت سوريا أكثر من مائة وعشرين ألف قتيل فضلاً عن مئات الآلاف من المصابين وملايين النازحين، وأدخلت ليبيا واليمن في موجة من الصراعات المسلحة؟
غير أن المدافعين عن "ثورات الربيع العربي" يرون أن هناك حتمية تاريخية لقيام الثورات ضد الأنظمة التي وصفوها بـ "القمعية والشمولية"، وأنه لم يكن هناك بُد مما ليس منه بُد لتخرج المنطقة العربية من حالة التبعية والتخلف، وأن ذلك لم يكن ليحدث سوى بالثورات رغم كلفتها الباهظة لأنه "من يخشى البلل لا يصطاد السمك".


وكالة أنباء موسكو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى