الربيع ملك الفصول

تبدلت أحوال الطقس وأصبح الوقت حائراً بين الربيع والشتاء ، هجمت أيام الربيع وحملت معها روائح الأرض ،ومن جديد تصفو السماء ويبدو كل شيء نظيفاً !تعود الشمس لتضفي بعض الدفء على أيامنا ، تولد من جديد فتهزم اللسعات الباردة التي خلّفتها الأيام السابقة ، فبعد أن لملم الشتاء أوراقه ورحل، دبّ الدفء في كل الكائنات : الإنسان والزرع والحيوان معلناً ولادة ملك الفصول.

إنه الربيع .. يزور الأرض، الطبيعة معطاءة بلا حدود ، ترتدي ثوباً نظيفاً، تمشط شعرها وتصففه ، تُظهر الغنج والدلال والدلع ، وكأنها ولدت من جديد ! إنه الربيع.. الساحر الزاخر بالورود والرياحين والفساتين الرقيقة الناعمة ! إنه الربيع..حيث البراعم تفتّق أرحامها الصغيرة على غصون الورود ! إنه الربيع..مزيج من أنسام الفجر وأنفاس الزهر وندى السماء، إنه الربيع ..ثوب الطبيعة طازجاً نظيفاً مبهجاً ! إنه الربيع ..رسائل غرام اتفقت السماء والأرض على تبادلها.

حقول وجبال تشتاق لأشعة الشمس ، تنتثر على الأرض التي تلبس أبهى حللها، الأشجار كالعرائس بملابسها البيضاء ، تتفتح البراعم والأزهار تعانقها شمس الصباح بدفء لذيذ ، تغادر برعمها كالرضيع ، تتمايل لكنها لا تستطيع أن تغادر غصنها !الثمار تنضج ، الأعشاب تشقّ الأرض ، الحقول الخضراء تطلّ في خصوبة وامتداد ، بطن الوادي يتلون بعشب الأرض البري بين البنفسجي والأصفر والأبيض ،الينابيع تتفجر بعد أن ارتوت الأرض من أثداء الغيوم! السواقي تتلّوى بين الأعشاب ، النباتات البرية تنمو على جوانبها ، خيوط الشمس تتسلل إلى قلوبنا لتؤجج فينا مشاعر قد تكون برودة الشتاء أخمدتها، العصافير تنفض قطرات المطر عن أجنحتها وتهرع إلى الأشجار، تتغازل على أغصانها وتبني أعشاشها.. الأوراق مفتونة بتدفقها المبكر ، الأشجار مثمرة يفيض الخير منها، الكرمة تمدّ أثداءها المكتنزة ، الشمس حولت حباتها إلى لون وردي، أوراقها الخضر تنصب خيامها ، تردّ الوهج عن أولادها من العناقيد! حقول القمح خضعت لسلطان الحر، فشابت رؤوس السنابل وانحنت مثقلة.

سأفسح له الطرق ، والحدائق ، والنوافذ ، والشرايين ، والأوردة .. سأعدّ له مكاناً لائقاً داخل البيت ، والذكريات ، والفؤاد ، ليرتاح قليلاً من السفر الطويل ، قبل أن يحكي لي عن أسرار عشيقاته ، سأدعه يقدم هداياه من الأزهار والورود والعصافير ! لم يفقد الأمل فينا، إنه يأتي تماماً في موعده ، يمنحنا الدفء الحنون ، والنسيم المختلط برائحة الزهور ، نستضيفه بحفاوة، يدعونا للتخفيف من ملابسنا، يكسو الأشجار العارية ، يحيي البساتين المهجورة !

ليت الربيع يستطيع أن يلغي وجود الخريف، أو يصادر مجيئه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى