الرجل الذي يشبهنا دائماً

ما من كلمةٍ يمكن لها أن تختزل مسيرة الفنّان الراحل عمر حجو، أكثر من «المعلّم». وما من وصف شامل يمكن له أن يقدّم صورة وافية عن عطائه اللامحدود أكثر من عبارة «الممثّل المِثَال». في تجربة الراحل الفنية التي تزيد عن خمسين عاماً، بُنى جمالية عن المُعاش، مصونة بالعطاء والاندفاع والحبّ والأخلاق. في تجربته، أساسيات تعرّف الفنّ باعتباره إحدى المهارات المنطقية المطلوب منها ترسيخ الإنساني لا التحايل عليه، توظيف الواقعي لا الابتعاد عنه. إنها تجربة يمكن اختصارها بالقول إنّ عمر حجو كان «الرجل الذي يشبهنا دائماً».

الفنان الحلبيّ القدير الذي توفيّ صباح أمس عن عمر ناهز الرابعة والثمانين عاماً، إثر أزمة قلبية، أدّى أدواره بمزيج من العقل والعاطفة. في عفوية المزج يكمن سرّ هذا الفنّان، وفي الفهم البسيط لإمكانية تقديم دراما تُمتِع وتحاكي الواقع في آن. أدوار الأب الطيّب الحنون لازمته مراراً، لكن مسحة القلق رافقته في أدوار أخرى بعد وفاة زوجته وفقد ابنه مثل إبراهيم في مسلسل «أرواح عارية» (2012/ تأليف فادي قوشقجي، الليث حجو)،، ولاحقاً في «سنعود بعد قليل» حيث يبكي على مدينته المتداعية.

حبّه المفرط للعمل، حيويته أمام الكاميرا، قدرته على التقاط الإنساني من الدور الذي يؤديه، تطويره له… كلّ ذلك يظهر واضحاً على الشاشة. رجل يكتفي بالحبّ كميزان حياتي وعمليّ، يتقن البحث في أدواره، هو الذي بقي يحمل مشروعه الفني حتى اللحظة الأخيرة. فالفنّ بالنسبة إليه قيمة مستمرّة من دون استعراض، لذلك لم يتعب، ولم يَشِخ.

الممثّل المؤسّس لـ «مسرح الشوك» في الستينيات، لم يعنه الظهور في المقدّمات، إذ «عليك أن تحبّ الفنّ أكثر من حبّك لنفسك». وشكل أول فرقة مسرحية خاصة فيه بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 مع الفنان عبد المنعم أسبر حملت اسم «الفنون الشعبية، وكان أول من أدخل التمثيل الإيمائي إلى المسرح العربي في عرض «النصر للشعوب» العام 1959 في القاهرة. ساهم في تأسيس المسرح القومي والتلفزيون السوري ونقابة الفنانين السوريين.

وفي العام 1973، أسّس مع دريد لحام ومحمد الماغوط فرقة «تشرين» المسرحية التي قدّمت عروض «ضيعة تشرين» (1974)، و«غربة» (1976»، و«كاسك يا وطن» (1979)، و«شقائق النعمان» (1987>). كما أسّس المسرح «الجوّال» بالتعاون مع المسرحي سعد الله ونوس والمخرج علاء الدين كوكش. في رصيد الراحل السينمائي أفلام عديدة منها «صحّ النوم» (1975)، و «إمبراطورية غوّار»(1982)، و»الحدود» (1984)، و»التقرير» (1986)، و»كفرون» (1990).

وللراحل رصيد كبير في الدراما التلفزيونية، فهو من أبرز شخصيات سلسلة «بقعة ضوء» في كلّ أجزائها، وصولاً إلى جزئها العاشر العام الماضي، وصولاً إلى «سنعود بعد قليل» العام 2013، وإلى جانب عشرات الأعمال التلفزيونيّة، من أحدثها «باب الحارة 6» (2014)، و«الخربة» (2011)، و«باب المقام» (2008)، و«الانتظار» (2006)، و«سيرة آل الجلالي» (2000)، و«الثريا» (1998)، و«الدغري» (1992).

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى