الرسام
“اللوحة على الجدار … نافذه على الحياة “
______________________________________
في زمن الحرب… الآلة الأقل رحمة من المدفع هي الحرب النفسية. حيث يحق لك أن تقول مات في مجزرة عشرون أو ألف دون مطالبة التدقيق، ذلك لأن الإعلام، في زمن الحرب، ينزل في الخندق المقاتل ويريد النصر كما يريد المقاتل. والنصر، في زمن الحرب، هو النصر بأي ثمن.
في زمن الحرب… نتسمّر أمام المحطات لنعرف أين نزلت القذيفة التي سقطت عند الجيران، ولنعرف طعم المرارة في جغرافيا ديست بالدبابات، وأخرى ذبحت بالسكاكين يصبح البقاء أمام وسائل الإعلام إدماناً، وتصغر الأشياء ذات القيمة، وتضمحل الرغبة في الحلم، وفي الخيال.
في الخيال؟ ثمة شيء هام جداً أنصح به كل من أبتليت بلاده بالحرب: الذهاب والبحث عن القصص ذات الخيال القصص ممكنة الحدوث لفرط الرغبة في حدوثها، ولجمال مبناها ومعناها. القصص التي تنبت في خوذة الجندي وأصيص الشرفة.
ثمة الذهاب إلى الكتب التي أرّخت لما حدث من حروب وهي تقف، الآن، على منصة التاريخ البارد، وتبث إليك موعظة الصبر الجميل. وتريك بالملموس الزمني، أن السلام هو الآتي.
ثمة الفنون… الموسيقى، الشعر، القصص، المذكرات.
أي ثمة ألوان الحياة حيث تسوّد وجهها القسوة السوداء.
في أزمنة الحرب يجب البحث عن الحي، الذي لا يطلب شيئاً سوى أن تظل الحياة راضية عن قلبنا. جارتنا صبية أصيبت بالشلل في حادث. طلبت أن يضعوا لها سريراً وعربة أمام النافذة المطلة على حديقة. قالت إنها ستعيش في الخيال، ومفتاحها البصري هو هذه النافذة. وسوف تكون الشجرة الممتدة في قلب النافذة… صديقتها.
كانت الفتاة تستيقظ باكراً. تستمع إلى حفيف أوراق شجرة التين. وهي تحمي أكواز الحبات المتأهبة للنضج. كان شهر آب الذي كانت تحب فيه البحر. ولكن البحر بعيد. شجرة التين هي السلوى الآن. وحباتها هي هدية الأنامل التي قطفتها.
حين جاء الخريف…
بدأت شجرة التين تتفرج، مثلها مثل الفتاة، على سقوط أوراقها، اصفرارها، هبوطها، المتهادي الحزين، خشخشة وداعاتها. وكانت الفتاة تعلن حزنها على النحو التالي: عند سقوط آخر ورقة من هذه الشجرة سيأتي إلي الموت.
كانت الفتاة تكرر بصوت مسموح هذه الجملة، بل بدأت تتهيأ للموت. لبست أجمل أثوابها. تجملت كعروس، كتبت وداعاتها. وهي ترى التينة قد تعرّت إلا من ورقة واحدة.
كان هناك إلى جوار نافذتها نافذة جار رسام. وكان في السبعين، يرسم حلماً من خلال المفتاح البصري للنافذة.
سمع ما قالته الفتاة… فرسم ورقة تين، وصعد إلى الشجرة وعلّقها بإحكام مكان الورقة الوحيدة المتبقية.
وهكذا… بقيت الورقة معلقة في هواء الخديعة بمرتبة الأمل.
وهكذا… ظلّت الفتاة حية ،لأن ورقتها الأخيرة الجميلة… لم تسقط.