الروسي بوغدانوف «يؤرخ للفن التشكيلي في مصر»

تبرز أهمية كتاب «الفنون التشكيلية في مصر» للروسي أناتولي بوغدانوف (المركز القومي المصري للترجمة، عرَّبها أشرف الصباغ)، ليس فقط في كونه المحاولة الأولى لإعطاء تصوّر عام لتطوّر الفنّ التشكيلي المصري المعاصر؛ وإنما لأنه مرَّ ايضاً خلال تطوره بطريق صعب، على امتداد عقود تراكمت تقاليده الواقعية المرتبطة بنضال الشعب المصري من أجل الاستقلال وإعادة بناء المجتمع على أسس ديموقراطية. ووفق ما أورده المترجم في مقدمة الكتاب؛ تتأتى صعوبة هذا النضال من التصرفات المعادية من جانب الدول الإمبريالية؛ والرجعية المحلية؛ «الأمر الذي سبّب الانشقاق في صفوف الفنانين التشكيليين وعرقلَ تضامن قوى البلاد الإبداعية وتلاحمها».

ويرصد بوغدانوف»؛ تصاعد تيار الواقعية عموماً، والواقعية الاشتراكية خصوصاً، في التعبير عن الواقع الاجتماعي المصري في أعمال النحت والتصوير والغرافيك بأشكال مختلفة؛ لعدد من الفنانين من بينهم: محمود مختار، عبدالقادر رزق، فرج منصور، يوسف كامل، محمود سعيد، محمد ناجي حسين بيكار، راغب عياد، جاذبية سري، إنجي أفلاطون، تحية حليم، حسن حشمت، محمد عويس، وجمال السجيني.

ويرى الكاتب أن وجود تلك الإنجازات الإبداعية التي ارتبطت بنشاطات هؤلاء الفنانين الكبار الذين وضعوا أيديهم على الموضوعات الخاصة المتنوعة والوسائل التعبيرية، وكلية وتعددية الوسائل الفردية/ الشخصية لاستيعاب التقاليد الفنية؛ ومن ثمّ فإنّ قيمة أفضل أعمالهم الفنية «لا تنفد بمجرد قيامهم بالدور الذي يلعبونه في عملية بناء وتشكيل وتطوير الفن الوطني».
الكتاب تمّ وضعه على أساس مبدأ الترتيب الزمني- التاريخي بالنسبة الى بحث المادة؛ «لأن تاريخ مصر المعاصرة، وبخاصة في سنوات الستينات حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي، امتلأ بالكثير من الصعوبات والتحديات، وفي بعض الأحيان بأحداث درامية في الحياة الاجتماعية، الأمر الذي لا يمكنه إلا أن يفرز ظواهر متناقضة؛ وفق أشرف الصباغ.

ويلفت المؤلف إلى أنه وعلى عكس التأريخ التفصيلي للفن المصري القديم والأدب الإسلامي في القرون الوسطى، لا يوجد سوى القليل المتناثر عن الفنانين المعاصرين وهو محصور في شكل رئيس في المعارض التي أقيمت في مصر وخارجها وفي الكتالوغات وفي الأخبار في المطبوعات الدورية.
ويلاحظ مثلاً أنّ النحات الأعظم محمود مختار (1891 – 1934) الذي استطاع أثناء وجوده في باريس بمنحة حكومية من أجل الإلمام بالخبرة الحرفية والتخصصية، استطاع أن يتفادى التأثيرات الكثيرة للأفكار المتناقضة في مدارس باريس كذلك الرسام الشهير محمود سعيد. ويوضح المؤلف كيف إنّ تاريخ النحت المصري لا ينفصل عن اسم المَثال الأعظم الذي تُقَدر الأبعاد الأصيلة لشخصيته الإبداعية بذلك الدور الرائد الذي لعبه في تأسيس الفن التشكيلي الوليد في مصر بسنوات العشرينات والثلاثينات، واستيعاب التقاليد القومية في امتزاجها الإبداعي مع الخبرة الأجنبية.

وفي تناوله مسيرة الفنان محمد ناجي (1888 – 1956)، يرصد المؤلف أعمال ناجي «التي تركت أثراً ضخماً في تطوير الأجناس الفنية الأساسية في فن الرسم والتصوير المصري بوصفه فناناً عظيماً وأحد ممثلي جيل الأساتذة الكبار، بحيث تحتل سلسلة رسومه ولوحاته الضخمة، التي أُنجزت في رحلته الطويلة إلى إثيوبيا، مكانة مهمة في تراث الفن التشكيلي المصري».
يقول بوغدانوف: «في العام 1919 التقى محمد ناجي مع كلود مانيه في باريس، وتحت تأثيره قرر الاشتغال بفن الرسم والتصوير»، مشيراً إلى أن ناجي سجّل في دفتر يومياته ما يلي: «كان الانطباعيون على اتصال مباشر بالطبيعة. ومنذ الآن سوف أضع الضوء والهواء شعاراً للوحة ألواني».

ويرى بوغدانوف، عبر عملية رصد وتحليل تفصيلي لمجمل المحصلة الإبداعية لمحمود سعيد، أن الأصالة الحقيـــــقية لأعماله تتلخص «في القدرة على كشف تفــــرد الإنسان ونقل حالته الداخلية». وليس مصادفة أن تصبح البورتريهات النسائية الرائعة هـــي أرفع إنجازات هذا الفنان.
يعرض المؤلف ايضاً نتاجات الرسامين في أواسط الستينات، والتي تم ضمها جزئياً إلى معرض «الفن والعمل» فتفضي إلى تلك المرحلة الثقافية والسياسية الجديدة في حياة مصر، والتي بدأت منذ حزيران (يونيو) 1967. وهو يرصد عملية التحديد الفكرية – الفنية للقوتين المتواجهتين؛ ليس فقط في الفن المصري، وإنما أيضاً في البلدان الوليدة الأخرى من قارتي آسيا وإفريقيا، وكيف أن تحليل هذه العملية يؤكد عدم صحة وجهات النظر النقدية المعمول بها في تلك البلدان من حيث تقسيمها السائد لفنانيها على أساس ما يطلق عليه: فنانون تقليديون وفنانون أوروبيون؛ «ومثل هذا التقسيم يقود في نهاية الأمر إلى عملية تعقيد وحدة الصراع الأيديولوجي إلى المجال المحدود للمهمات المهنية الضيقة». ومن ثم يشير بوغدانوف إلى أن الدراسة العملية – الواقعية للممارسة الإبداعية تبين أنه ينبغي للعلم أن يقوم بعملية تصنيف مغايرة للفنانين المعاصرين إلى أنصار الواقعية، وأتباع الحداثة.

صحيفة الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى