نوافذ

السجن بين روايتين ” لدخل سرايا حلب”

محمد الحفري

جربت السجن  لليلة واحدة، حيث جاء رجال المخفر وأخذوني بسبب تخلفي من دون قصد عن سوق الخدمة الإجبارية، والمرة الثانية كانت أثناء الخدمة العسكرية عندما خاطبني اللواء قائلاً: “ضب بطانياتك وخود فريقك على السجن” أيامها  كنت مدرباً لفريق الجري، وحصل فريقنا على المركز الرابع، وكان المطلوب الحصول على واحد من المراكز الثلاثة الأولى.

تبدو هذه التجربة متواضعة وقد تثير سخرية السجناء الذين قضوا سنوات طويلة في المعتقلات أو ” تختتو” فيها كما يردد العامة، وربما لم يتوقع من دخلوا تلك العتمة أن يروا نور الشمس من جديد، وربما لهذا السبب بالذات أطلق القاص والروائي والمترجم حسام خضور اسم “العودة من الأبدية ” على واحدة من رواياته التي تندرج  ضمن الأدب السياسي أو ما يطلق عليه أدب السجون والذي ضم أسماء مهمة في عالمنا العربي يأتي في مقدمتها الروائي الكبير عبد الرحمن منيف.

يعتمد الكاتب في تقديمه للأحداث على طريقة التحقيق الصحفي الذي يتحول إلى عمل روائي يستخلصه من مذكرات سجين تعاطف معه، ويحاول الروائي أن يشير في عمله إلى الأخطاء التي حدثت في الماضي ويمكن أن تحدث الآن نتيجة الفساد والمحسوبية وتركز في مفصلها الرئيس على عدد من الأفراد الذين تحولوا إلى المحكمة الاقتصادية .

وقد أستطاع  الكاتب أن يتكلم وينطق بلسان أبطاله ويتمثل أقوالهم وكلماتهم التي توغل أحياناً في محليتها وأن يكشف عالم السجن الذي يظنه بعضنا مجرد جدران وحسب.

ولعل  المهم  في هذا العمل هو الإشارة إلى الأخطاء والعيوب التي تحدث وإلى الأشخاص الفاسدين الذين يحولون حاجة الناس ومشكلاتهم ومعاناتهم إلى سلعة يستفيدون منها، ويجعلونها وسيلة لجني المال والأرباح والحصول على الثروة ومنها التلاعب بالقانون حسب المزاج الشخصي، وهي أيضاً حصيلة تجارب وخبرات إنسانية غايتها تلافي ما وقع وتحسين مفهوم الحياة.

أما الرواية الثانية التي تتوغل في عالم السجن، فهي ” حكمة البوم والببغاء كاسكو” لمؤلفها الإعلامي والروائي عماد نداف وتبدو فيها  ألاعيب السرد وفنونه واضحة وجلية، وذلك حين يأخذها الكاتب إلى زمن الوحدة والانفصال بين سورية ومصر مع أنها تتحدث عن الزمن الحاضر، وتظهر راهنيتها لدى القارئ الحصيف من خلال تصرفات رجال السلطة، وخاصة بطلها الضابط  الذي يحمل لقب  “البوم” وقد كان قاسياً في سلوكه المهني، إضافة إلى الحنكة  والمراوغة والمناورة والثعلبية في تعامله مع السجناء.

وقد دفعنا لنتعجب من تلك القسوة ونسأل كيف للإنسان الذي يخفق القلب بين جوانحه أن يتصرف بتلك الطريقة؟ وأين هي قيمة الإنسان حين يهان ويفتك بجسده وروحه في الآن ذاته؟

ومن خلال تلك الشخصيات يتم تصوير الوضع السياسي على الأرض وحال الأحزاب التي أراد كل منها أن ينشر فكره، وإدخال شخصية الببغاء برأينا ينم عن ذكاء كبير وقد سخره النص لأهداف عدة منها الترفيه وكسر حدة الوضع المؤلم من الناحية السردية، والأهم من ذلك نطقه بالزمن. أما رمزية وجوده، فقد تمثلت حين خرج السجناء من معتقلهم وهم يرددون كلمات الببغاء.

نعتقد أن السجون من أقذر الأمكنة وأصعبها، وفيها لا تسجن الأجساد وحدها، بل ومعها الأرواح أيضاً، وهي كما نجزم أشد فتكاً وقسوة على أصحاب الرأي والفكر، وهذه السجون قد تحمل أسماءً مناطقية مثل سجن تدمر في سوريا، والجفر في الأردن، والرومي في تونس، وقد تحمل ألقاباً كثيرة مثل ” أبو زعبل” في مصر و”بيت الخالة في سوريا” وعلى كل حال تدل أسماء السجون جميعها على الخوف والضيق والمكان الذي قد لا يخرج منه الإنسان حياً، ومن تلك التسميات قد تتفرع تقسيمات أخرى منها الزنزانة والمنفردة، والنظارة، والأخيرة يوضع فيها الموقوف فترة قليلة من الوقت، وتعد بمثابة الانتظار ريثما يبت في أمره، وكلمة “السراي” كانت تطلق قديماً على السجن، وهروباً من تلك الكلمة الجارحة حقاً سمعت امرأة تغني بصوت حزين: ” لدخل سرايا حلب وأصيح مظلومة، وان كان الجيزة غصب، لويش الحكومة؟”

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى