
كان من حظ المنطقة العربية أن تعثر الاجتماع بين ترامب بوتين في المجر. ويبدو أن ترامب تحسس بسرعة تعنت بروتين في الحفاظ على مكاسب اندفاعه العسكري في الأراضي الأوكرانية وشعر أن اجتماعهما في المجر الذي تم الاتفاق عليه في المكالمة الهاتفية الأسبوع الماضي سيشكل خيبة جديدة لا يريدها. وهذا ما جعل ترامب يشيح بنظره عن قضية أوكرانيا. الاتجاه للاستغراق أكثر في إنجاز السلام في الشرق الاوسط عبر تنفيذ خطته في غزة. وحظ المنطقة واضح في استمرار ترامب مستبشرا بما سيجنيه من سلام المنطقة كـ “صانع سلام” باهر، خاصة أنه يردد اقتناعه بأن الصراع في المنطقة مع اسرائيل مستمر من 3000 سنة وبالتالي فهو مقتنع انه ينهي صراعا عمره آلاف السنين وهذا ما يزيد من بريق أنجازه.
في خطابه أمام مؤتمر آسيان مؤخرا أكد ترامب أنه ينجز في المنطقة العربية وانطلاقا من غزة (سلاما متينا ومستداما)، وينهي صراعا استمر لثلاثة آلاف سنة. وعلى محور السلام العربي الذي تقوده السعودية، والذي أقنع ترامب أصلا بضرورة الحل المتضمن في الخطة العربية التي صاغها المحور وأصبحت خطة ترامب بعد أن تبناها الرئيس الأمريكي، على محور السلام العربي أن يكمل سعيه بالمثابرة بالتركيز على طموح ترامب لتحقيق (سلام متين ومستدام) والسعي لاستمرار اقتناع ترامب بأن مثل هذا السلام المتين والمستدام لا يمكن أن ينجز ويتحقق إلا بتحقيق الدولة الفلسطينية. ولا يمكن إنهاء الصراع إلا بحصول الشعب الفلسطيني على حقه الوطني المشروع بهذه الدولة كاملة السيادة.
إن التغيير الكبير والعميق الذي أصاب المنطقة بكرسحة محور المقاومة، وضرب القوة الرئيسية لحزب الله، وتجميد تشاط الفصائل العراقية، وكسر قوة الحوثي، وتدمير قوة حماس العسكرية والقيادية، وإسقاط نظام الأسد وازاحة سورية من الساحة، استطاع محور السلام العربي بقيادة السعودية استثمار هذا التغيير بمغازلة مزاج الرئيس ترامب. وإثارة غريزته الاقتحامية طمعا بأن يتوج كـ (صانع سلام) فريد. واستطاع المحور العربي استثمار كل ذلك بدبلوماسية مناسبة ودفع الرئيس ترامب إلى الانخراط العميق في تحقيق سلام يقول هو عنه أنه سيكون “متينا ومستداما”. وهذا في مصلحة العرب والفلسطينيين، وفي مصلحة حاضر ومستقبل المنطقة العربية، وأن اكتمل فإنه سيسجل للرئيس ترامب مثلما سيسجل لمحور السلام العربي بقيادة السعودية.
اتجاه المنطقة نحو سلام مستدام يستوجب تحقيق حاضنة سلام شاملة في الإقليم تتضمن حل مشكلة سلاح حزب الله بدون قتال أهلي وبدون حرب عدوانية إسرائيلية على لبنان. كما تتضمن تحقيق وحدة وطنية سياسية شاملة في سوريا تحترم جميع المكونات والطوائف و الأعراق وتشركها بفعالية تمثيل حقيقي في العملية السياسية. كما يتضمن أولا وقبل كل شيء ضمان أمريكي بأن توقف وتمنع إسرائيل من استئناف أعمال الاحتلال والتوغل والتمدد والتدخل بشؤون الدول العربية. حاضنة السلام الإقليمية الشاملة المؤلفة من كل ذلك سيوصل بالفعل إلى (سلام متين ومستدام) وهذه الحاضنة لا بد أن يعمل المحور العربي للسلام على تحقيقها ضمن سعيها الى أنجاز السلام الشامل، والذي سيفتح الباب إلى مرحلة الازدهار والتنمية التي تنادي بها المملكة العربية السعودية، والتي تطمح لها شعوب المنطقة. ليصبح ما جرى في المنطقة من التغيير طريقا يأخذنا من الاحتلال والحرب إلى الاستقرار والأمن والسيادة والازدهار وهذا هو السلام المتين والعميق الحقيقي.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



