السوخوي والبولشوي

“العصافير لا تكره الشتاء، إنما العصافير لا تحب المطر”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يناقش السوريون وينتقدون كأنهم اكتشفوا ألسنتهم، فقد أتاحت الأخطاء الفادحة في إعادة النظر في الكتب المدرسية الفرصة للتدخل المدني، وهو المؤشر الأولي إلى رغبات السوريين في صياغة مصيرهم، بعد أن تصمت المدافع… مصيرهم الكبير.

ولكن سؤال الأسئلة هو: من سيحكمنا بعد الحرب؟ وليس كيف سنحكم أنفسنا بعد الحرب، ما هو النظام المطروح؟ هل يتغيّر النظام أم يشتري أحدث موديلات الاستبداد الأبيض بقفازات إسعاف بيضاء؟

هل سيجد السوريون أنفسهم وجهاً لوجه أمام تمثال حريتهم الخاصة، ابتكارهم الخاص، في عبرة الماضي، وتوجه إلى أفضل ما يمكن صناعته من أنواع المستقبل؟ هناك من يقول بأن: “أسيادكم في الجاهلية أمراؤكم في الإسلام”. وهناك من يقول بأن النظام الحالي سيعيد إنتاج نفسه، بمساعدة الخبرة الروسية، والضرورات الإيرانية، والحاجات السورية… أي أن المعارضة تقبل بناتج ميزان القوى. وأمامها طريقان: المشاركة في مرحلة انتقالية، أو حكومة وحدة وطنية موسعة، بشروط تغيير لعبة الانتخابات والديمقراطية.

وهناك من يقول بأن العامل الروسي ـ الإيراني حاكم لجهة تغيير النظام ليس بالاستبدال وإنما بالتطوير والتحديث والتغيير، الأمر الذي يعني بيروسترويكا سورية يتراجع فيها، كما حدث في الاتحاد السوفييتي، دور الحزب، والقطاع العام، وينمو دور الليبرالية الجديدة، والسوق الحرة، وسيادة القانون. إن تغيير النظام في هذه الحالة يتم سلمياً وعبر التطوير الممنهج والمشاركة الفعلية لقوى المجتمع السوري.

أنا أعتقد أن سورية بعد الحرب لن تكون سورية قبل الحرب، منطقياً وبمفاعيل قوة الواقع وآثار الحرب. وأعتقد أيضاً أن من حسنات الوجود الروسي، ليس فقط حماية الدولة السورية من السقوط، وإنما إجبار النظام على قبول التغييرات. فلا يعقل أن تحكم سورية فردية الحاكم، ومزاجية السلطات، وفوضى القوانين، والانتهاك المتواصل للحريات والقمع المفلوت من الضوابط. وإلى آخر قائمة مؤسسي أسباب الحرب:

” بعد كل الذي جرى”.

سألني أحد الأصدقاء السجناء لمدة طويلة، وهو على أهبة الذهاب إلى منصة موسكو للاجتماع بوزير الخارجية الروسية. سألني أن أقترح شيئاً. فقلت بين الجد والهزل: قل للسيد لافروف، إن صديقي عادل يقول لكم:” عاصفة السوخوي…أنقذت النظام السوري. نريد منكم عاصفة البولشوي لإنقاذ سورية”. ولا أظن اختفاء المعنى والمجاز في هذه الطلبية الجمالية. ولكنني أغيرها. ففي أقل من عشرين عاماًبنت الدولة الروسية حداثتها على أنقاض إمبراطورية كانت معنّدة على فكرة التاريخ، وعصية على عملية التغيير.

لقد أثبتت كل أنظمة “إلى الأبد” فشلها. وخصوصاً بعد أن تذهب إلى عدة مسارح حربية، بدل ذهابها إلى منصات التقدم، والنمو، والإبداع.

أنا سأتفاءل ببحيرة البجع الروسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى