من حق السوريين أن يحتاروا بخصوص السياسة الأمريكية تجاه بلدهم، فالتعاطي الأمريكي مع سورية يتجاوز (التعاطف) ليصل إلى حدود (الدلال).. الأمر الذي يجعل من المنطقي لأي سوري أن يسأل ما الذي يريده ترامب من وراء هذا الكرم لسوريا وللرئيس الإنتقالي أحمد الشرع ؟؟
الواضح أن الهندسة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط تنطلق من اعتبارها “نقطة ارتكاز” في النظام الإقليمي المحقق للمصالح الاستراتيجية الأمريكية. وحسب الرؤية الأمريكية التي رددها ترامب مرارا فإن سوريا تحتل “النقطة المركزية” في استقرار وتوازن المنطقة كلها. من هنا فإن السياسة الأمريكية منذ سنوات عملت على تهيئة المسار المؤدي إلى طرد إيران وميليشياتها، وإلى إجبار روسيا على تعديل دورها في سوريا أو الخروج منها. وضمن هذا المسار كان التأييد الأمريكي لعملية إسقاط النظام ولتبني القيادة الجديدة المولودة من هيئة تحرير الشام بشرط أن تنتقل من الجهاد بعد أن جعلوا اسمه (الثورة) إلى بناء الدولة الجديدة. وتحرص واشنطن على الإلحاح بالتذكير بمواصفات الدولة المطلوبة كي تصبح سوريا بالفعل مركز الشرق الأوسط، ومرتكز أساسي من مرتكزات المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
وفي آخر نسخة للرؤية الأمريكية لسوريا، والتي جاءت في مشروع القرار الذي قدمته الادارة الأمريكية إلى مجلس الأمن لشطب اسمي الرئيس الانتقالي أحمد الشرع و وزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الأممية، فقد تضمن المشروع الأمريكي الذي جرى إقراره التزام سوريا بإجراء “عملية سياسية شاملة” تؤدي إلى حكم يشارك فيه جميع المكونات السورية دون تميز عرقي أو ديني طائفي، وتشكيل جيش وطني مهني حديث، وصياغة دستور عصري يحفظ حقوق جميع مكونات الشعب السوري ويضمن الالتزام بحقوق الإنسان. كما تضمن القرار ضرورة إجراء مقتضيات العدالة الانتقالية، والالتزام بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله ومكوناته من أفراد وكيانات، وخاصة المدرجة في قوائم الأمم المتحدة من داعش والنصرة ومثيلا تهما. وتضمن القرار أيضا الالتزام بمحاربة المخدرات من التصنيع للتصدير. كما تضمن الالتزام بتدمير ما تبقى من السلاح الكيماوي. إضافة لتعهدات تتعلق بالعدالة والمساواة ضمن الداخل السوري، وعدم الاعتداء أو زعزعة الاستقرار لدول الجوار. ولا يمكن لأي سوري إلا أن يؤيد هذه الالتزامات والتعهدات لأنها تؤدي إلى دولة مدنية حديثة عادلة تحترم جميع أبنائها وتشاركهم في الحكم والقرار، وترسي الاستقرار كأساس للتنمية وأعاده الأعمار. كما يجعلها دولة مؤهلة بحق للمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
القرار الأمريكي الذي أقر في مجلس الأمن وأصبح سياسة أممية محددة ومفصلة تجاه سوريا، هذا القرار أقر وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهو البند الذي يجيز للأمم المتحدة استخدام القوة بكل أشكالها ومنها العسكرية لتطبيق تفاصيل كل ما ورد في القرار. وهذا الالتزام بالقوة رآه البعض “وصاية أممية”. ورحب به كثيرون حتى لو كان وصاية لأن فيه مصلحة وطنية لسوريا وشعبها ومستقبلها. خاصة إذا استطاع السوريون قيادة وحكومة ومجتمعا من الانخراط في تفاصيل ما جاء في القرار بتجسيده كشكل من أشكال بناء الدولة الحديثة العادلة. الأمر الذي يجعل من سوريا بحق مرتكزا لشرق أوسط جديد، ومركزا لتعاون إقليمي ودولي ينعكس على سوريا والمنطقة والعالم بالخير والتنمية والازدهار والاستقرار. ولابد للسوريين من الحرص على تحويل وصاية البند السابع إلى محرك للسياسة السورية نحو ما يحقق مصالح الشعب وهويته الحضارية في الحكم والسياسة والاقتصاد والمجتمع، وفي التعاون مع العالم الخارجي والمحيط المجاور.
تضمن القرار الأممي الذي صاغته واشنطن ما يمكن اعتباره (عهده أمريكية) للسوريين، تتعهد فيها أمريكا باستمرار دفع الأمور في مسار يخلق من سوريا دولة طبيعية مدنية حديثة عادلة منفتحة على التعاون مع الإقليم والعالم لتحقيق العدالة والمساواة والخير والأمن والسلام للجميع. لذلك فإن العهدة الأمريكية تحتاج كذلك من السوريين متابعتها والاستثمار فيها كي تبقى في المسار المحقق لتطلعات سوريا والسوريين أولا وقبل كل شيء.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة


