السياسة الراهنة بمنطق (باب الحارة) و ابن المقفّع

اجتمع (عكيد) الفئران بعضوات الحارة والبعض من الجحور المجاورة) قال في حزم وهو يفتل شاربه: (علينا أن نضع حدّا لتهوّر هذا القط الأرعن ونوقفه عند حدّه….كيف الهمّة يا رجال ؟),ردّ الجميع بصوت واحد :(ولا يهمّك عكيد…يا باطل ,نحن قدّها وقدود … لها وأكثر).

ردّ (العكيد )وهو يقضم بعض المكسّرات وشيئا من الجبنة: (هنّ كلمتين …بدي ياهن حلقتين بأذانيكم الطوال..أنا شكلين ما بحكي ).

-أمرك عكيد

-سوف أحكيها بالفصحى زيادة في التأكيد والتوكيد والوعيد…نقبض على هذا القط الجبان الذي ما انفكّ يقضّ مضاجعنا ,ثم نعلّق في رقبته جرسا…وهكذا نعرف ساعة قدومه فنختبئ في جحورنا بمجرّد سماع صوت الجرس.

ردّ أحد الفئران الصغار :(ودخلك يا عقيد، من سيقبض على هذا القط ؟…نصيحة…اقبض عليه أنت بنفسك ونحن نتولّى فيما بعد تعليق الجرس في رقبته….شلوني معك؟).

-اخرس أيها النمس، خذوه إلى جحر انفرادي واحرموه من الأجبان والمكسّرات.

تخيّلوا بقية الحكاية ودعونا ننتقل إلى التالية:

قال الغراب الذي يدّعي الحكمة وهو ينصح ابنه بعد أن اشتدّ عوده وازداد ريشه سوادا:

-إذا رأيت أحد البشر من الذين يمشون على قدمين مثلنا وهو يهوي إلى الأرض ويلتقط حجرا فاعلم أنه سوف يسدّده نحوك ويصيبك…فانفث بريشك يا بني ولا تجعل نفسك فريسة لهذا الكائن العدواني.

-وما أدراك أنّه يخبّئ حجرا في جيبه فيصيبني دون أن (يطخّي) يا أبت؟!

– عليك اللعنة …لم يكن هذا يجول بخاطري…طر يا بني رافقتك السلامة.

قال القط لعصفور صغير ومدلّل ولد في قفص بيت مترف :

-صحيح أنك تذوّقت أطعمة كثيرة ، لكنك لم تتذوّق طعم الحرية بعد يا صغيري

-وما طعم الحرية يا عمّاه؟!

-أن تصيد بنفسك وتأكل بنفسك وتحلّق في سماء أكبر من هذا القفص…وفوق ذلك كلّه تغنّي وتحلّق مع أبناء ريشك وتختار شريكتك حياتك بنفسك.

-وما السبيل إلى ذلك يا عمّاه.

-انقر اليد التي تمتدّ لك بالطعام ساعة باب القفص وانفذ بريشك لتحلّق في السماء العالية.

فعلها العصفور عند أوّل فرصة، حاول الطيران فلم يستطع التحليق…ثمّ وجد القطّ ينتظره وهو يسنّ مخالبه ، يلعق شفتيه وينتظره عند أوّل انعطافة.

حطّت الحرباء فوق سقف القرميد وسألته:(ما لوني؟) فأجاب :(بلون القرميد طبعا)

حطّت فوق حقل وسألت ذات السؤال ، فأجاب الحقل :(بلون سنابلي طبعا يا حربائي العزيزة).

فعلت نفس الشيء مع الثلوج والمروج وأسقف الطين وكانت في كلّ مرّة تتلقّى الإجابة نفسها:(إنك من لوني)

استلقت في حضن أمّها تسألها باكية فقالت لها :(إنك من لوني وإذا أردت أن تتأكّدي فتعالي لنسأل المرآة).

ردّت المرآة :(أنا لا أجد لكما لونا ..ولكن، أريد أن أسألكما أنا بدوري :(ما لوني…!؟.).

سألت الذبابة النحلة:(بربّك ما الفرق بيني وبينك حتى يفضّلنك البشر عنّي، لدي جناحان ولديك جناحان، وأنت تطيرين وأنا مثلك أطير …بل أخفّ منك ولا ألدغ أحدا .

ردّت النحلة:(الغاية ليست في أن نطير أو لا نطير بل أين نحطّ….دعيني أعمل ولا تضيّعي وقتي في الجدال).

هل تخيلتم نهاية الحادثة المعروفة بين الفيل وبين العصفور في الطائرة حين ألقت بهما المضيفة من الطائرة بعد تماديهما في الإزعاج ….؟

سقط الفيل الثقيل في أحضان بحيرة ماء منعشة في غابات افريقيا وقضّى حياته لاهيا بخرطومه الطويل وذيله القصير، أمّا العصفور الذي كان يسخر منه ويتباهى بجناحيه فقد التهمه صقر جائع في السماء وعلّمه درسا واحدا وأبديّا في ضرورة احترام من هم أكبر منه ….وفي عدم الاعتماد على الجناحين والخفّة وحدها.

كان ذكر البعوض يركب ظهر الجواد ويظنّ نفسه فارسا …وكان الكلب يمشي في ظلّ العربة ويظنّ ظلّها ظلّه ...جاء اليوم الذي ركب فيه الفارس صهوة حصانه ومضى …فاختنق البعوض تحت سرجه…غربت الشمس واختفى ظلّ العربة ..وبان الكلب على حجمه الحقيقي…ويحاول تعويض الخسارة بالعواء.

كلمة ع الطاير:

قيل – والعهدة على الراوي- أنّ مقتل ابن المقفّع كان بسبب (كليلة ودمنة)..من يومها سكتت الحيوانات عن الكلام المباح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى