السينما المصرية في 2014: عام الرقابة والجدل!
يمكن وصفها بسنة المفارقات. بينما كانت الحكومة «تجاهر» بدعمها حرية الإبداع، حاصرت أعمالاً سينمائية متواضعة المستوى بدعوى احتوائها على مشاهد «تشجّع على الفسق»!
إذا أردنا اختصار عام 2014 في السينما المصرية، يمكن وصفه بعام المفارقات الدرامية. شهدت هوليوود الشرق العديد من الظواهر التي تستحق التوقف عندها، نظراً لما تحمله من إشارات ودلالات لكل ما هو آت. الدولة المصرية التي تتشدق بأهمية دور الفن في المجتمع، هي نفسها التي اتخذت إجراءات رقابية تعسفية ضد بعض الأعمال السينمائية. يوم تحدث رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب عن أهمية الفن وضرورة النهوض به، ردّ عليه عادل إمام ممازحاً: «ابعدوا عننا انتوا بس».
قد تكون المزحة التي أطلقها «الزعيم» خلال المؤتمر الذي نظمته أخيراً جريدة «أخبار اليوم» المصرية للبحث في طرق النهوض بالفن المصري بحضور محلب، تحمل الكثير من تخوفات أهل الإبداع في ظل التضييق الذي طاول الحريات العامة، خصوصاً الفن. هذا ما حدث مع فيلم «أسرار عائلية» (إخراج هاني فوزي) الذي تناول المثلية الجنسية، و«الملحد» (إخراج نادر سيف الدين)، و«حلاوة روح» (سامح عبد العزيز) للنجمة هيفا وهبي الذي سُحب من الصالات بقرار من رئيس الوزراء شخصياً. في تلك الواقعة، تم الاعتداء على سلطة وزير الثقافة ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية، أحمد عواض الذي استقال احتجاجاً على التعدي على صلاحياته. الفيلم انتصر له القضاء وحصل منتجه محمد السبكي على حكم قضائي بإعادة عرضه بدءاً من 24 الجاري. وشهد هذا العام أيضاً انحسار موجة أفلام البلطجة والراقصات الشعبيات. في المحصلة، لم تنتج السينما المصرية سوى ٣٤ فيلماً نظراً إلى ارتباك المشهد السياسي. كما غاب نجوم الكوميديا عن الساحة السينمائية منهم عادل امام، ومحمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد مكي. واقتصر الحضور على أحمد حلمي، والثلاثي أحمد فهمي، وهشام ماجد، وشيكو الذين قدموا فيلم «الحرب العالمية 3». وأنقذت أفلام «الفيل الأزرق»، و«الجزيرة 2»، و«الحرب العالمية الثالثة» ماء وجه السينما المصرية على مستوى الإيرادات، فأعادت إليها لافتة «كامل العدد».
وعُرضت الأفلام الـ 34 -في مواسم السنة المختلفة، محققةً إيرادات تخطت الـ196 مليون جنيه (27.2 مليون دولار)، بفارق 90 مليون (12.5 مليون دولار) عن العام الماضي. وغلبت عليها أفلام المقاولات، أي قليلة الكلفة التي تقدَّم بوجوه غير معروفة أو نجوم درجة ثانية، وتعتمد على الكليشيهات. الملفت أنّ هذه النوعية لم تحقق إيرادات تذكر، بينما حققت «الحرب العالمية الثالثة» و«الفيل الأزرق» و«الجزيرة 2» ما يزيد عن 95 مليون جنيه مصري (13.3 مليون دولار).
وأثارت العديد من الأفلام جدلاً واسعاً، رغم أنّها متواضعة المستوى فنياً، ولو عرضت من دون جلبة رقابية، لكانت مرت من دون أن يلحظها أحد. بعض الأفلام وصلت أزماتها الى ساحات المحاكم على رأسها «حلاوة روح» الذي اتُّهم بأنّه يحوي «مشاهد تسيء للأطفال». وبدأت الأزمة عندما قرر رئيس الوزراء وقف عرض الفيلم بعدما اعترض «المجلس القومي للأمومة والطفولة» على بعض المشاهد التي جمعت نجمة العمل هيفا وهبي مع الطفل كريم الأبنودي بدعوى أنّها تحمل «انتهاكاً لحقوق الطفل وتدعو إلى العنف». وسُحب الفيلم من الصالات بناء على قرار سيدات المجلس اللواتي اكتفين بجمل من نوعية «سمعنا أنّ الفيلم يحمل إساءات للطفولة»، وبعضهن شاهدن فقط «تريللر» الفيلم. والمفارقة أنّ عدداً من الفنانين من بينهم آثار الحكيم ومحمد صبحي خرجوا بتصريحات تتفق كثيراً مع توجهات حزب «النور» السلفي الكاره للفن! وبلغ حجم المزايدات مداه، الا أنّ المنتج محمد السبكي قرّر عدم السكوت عن حقه خصوصاً بعد خسارته الكبيرة في الفيلم ورفع دعوى قضائية، لينتصر الحكم لحرية الفن والإبداع.
أما «أسرار عائلية»، فكان من أفلام الأزمات في عام 2014 بسبب تناوله تجربة شاب مثلي. الا أنّ الرقابة كانت تخشى من عرض الفيلم في ظل ظرف سياسي مرتبك، ومن استغلال بعض الإسلاميين والمتطرفين الشريط في إثارة الفوضى بدعوى أنّ الدولة صارت تناصر حرية «الشواذ». هكذا، طالب رئيس الرقابة وقتها أحمد عواض مخرج الفيلم هاني فوزي بحذف أكثر من 10 مشاهد بدعوى أنّها «تثير الغرائز، وتحرّض على الفسق»، وهو ما رفضه المخرج، ووقع جدل اعلامي واسع حول الفيلم وحرية الإبداع، والدولة التي تسعى الى تقييدها رغم ادعاء دعمها الفن وحريته. أدّى ذلك إلى لجوء المخرج إلى لجنة التظلمات في الرقابة التي أجازت عرض العمل تحت لافتة «للكبار فقط». المفارقة أنّ الفيلم انتصر لنظرة البعض إلى أنّ المثلية الجنسية مرض يمكن علاجه! ولم يحمل أية جرأة لا على المستوى الفكري أو الفني بل مر مرور الكرام ولم يحقق إيرادات تذكر.
الحال ذاتها بالنسبة إلى «الملحد» الذي كان يناقش قضية الإلحاد بطريقة الكيلشيه والمباشرة. وشهد جدلاً رقابياً واعتراضات على عدد من المشاهد، ما تسبّب في تأجيل عرضه أكثر من مرة.
وخاض فيلم «بنت من دار السلام» (بطولة رحاب الجمل)، صراعاً مع الرقابة التي طالبت مخرجه ومنتجه طوني نبيه بحذف مشاهد اعتبرتها «مخلة بالآداب العامة» على رأسها رقصة شاكيرا بعد طرحه على اليوتيوب، إضافة إلى مشهد يجمع بين الرجل الملتحي وزوجته الصغيرة المنقّبة وغيره. ورفض نبيه أولاً قرار الرقابة، ما أدى إلى تأجيل عرض الفيلم. ومع إصرار الرقابة على موقفها، حذف المخرج المشاهد، فعُرض الفيلم.
ورغم كل ما عانته السينما المصرية هذا العام، الا أنّها شهد عودة المخرج محمد خان إلى الإخراج بعد غياب سبع سنوات بفيلمه «فتاة المصنع». حصد الأخير الكثير من الجوائز، وكان من أفضل انتاجات السنة، ودخل القائمة الطويلة لترشيحات أوسكار أفضل فيلم أجنبي. وقدم المخرج أحمد عبدالله تجربته السينمائية المختلفة «ديكور» للنجم خالد أبو النجا. كما أنّ فيلمي «الفيل الأزرق» و«الجزيرة 2» أعادا الجمهور إلى السينما، خصوصاً أنّهما يحفلان بالعناصر السينمائية المميزة على المستوى البصري والشريط الصوتي.
صحيفة الأخبار اللبنانية