خاص
لابأس أن يختلف الناس بالأفكار، ولابأس أن يكون الاختلاف في الوسائل لأنه ملحق بالرؤية الخاصة لكل جهة، والسينما هي وسيلة تثقيف وإمتاع وترفيه، وتتعلق أيضا بالأفكار والرؤى الفنية والاجتماعية وغيرها.
وقد تشكلت مواقف كثيرة مؤيدة ومعارضة للفن السينمائي، وكان التيار الجارف بارزا في عالمنا العربي والإسلامي لأن السينما كفن سابع لاقت رواجا كبيرا تخوف منه الكثيرون مع موجات الأفلام العربية القديمة.
كذلك ظهرت مواقف فقهية دينية تتعلق بحكم السينما في الإسلام، فلامانع من السينما إذا كانت نافعة ولاتعرض مشاهد خلاعية أو تروج للفساد والانحلال الأخلاقي وغير ذلك من المظاهر التي يرفضها الإسلام ..
وفي التجربة العربية لاقت السينما موجة كبيرة من الانتقاد، إلى الدرجة التي أغلقت فيها السينما في بعض البلدان في فترة محددة، وتم تشديد الرقابة في بلدان أخرى، وكانت بوسترات الأفلام الترويجية تخضع للرقابة ولا تنشر إلا بعد أن تكون ممهورة بخاتم رسمي مضمونه (يسمح بعرضه) ، أي أن المشكلة كانت في صلب الهوية الروحية والثقافية للمجتمعات التي ظهرت فيها .
وعندما سقط النظام السوري برزت قضايا كثيرة إلى الواجهة ، واكتشف الجمهور أن سينما الكندي، وهي واحدة من عدد قليل من الدور الباقية، أن هذه السينما، كبناء أو كعقار تتبع لوزارة الأوقاف ، وصدر قرار بإخلاء العقار خلال أسبوع، وذكرت مديرية أوقاف دمشق صاحبة القرار المذكور أن سينما الكندي ستتحول إلى مركز ثقافي يشع منه نور المعرفة والعلم كما نقل عنها.
ومن الطبيعي أن يترك القرار ردود أفعال تتعلق بهذه الخطوة، علما أن تدهور السينما السورية أوصلها إلى حد التلاشي نتيجة لقرارات خاطئة تتعلق بتسويق الأفلام نتج عنها كساد سينمائي سوري يشبه (الموات) ,
وبقيت المؤسسة العامة للسينما تكابر وتسعى لإنقاذ الموقف من دون أن تعيد السينما إلى نشاطها القديم ، وفي سعيه توصل الفنان جهاد عبده الذي تولى إدارة المؤسسة السعي لحل المشكلة، وأعلن عن استعادة صالة سينما الكندي .
ثم فوجئنا بإعلان من مؤسسي “بيت السينما” بإنهاء هذا المشروع وإلغاء عودته التي كانت مقررة قريباَ ، وهذا يعني أن سينما الكندي ستبقى مركزا ثقافيا كما أرادته وزارة الأوقاف، وأن الجمهور خسر واحدة مما تبقى من الصالات. .
لقد تجاوز العالم العربي والإسلامي فكرة الخوف من السينما، وتمكنت عدة دول إسلامية من تقديم رؤية سينمائية تتوافق مع الهوية التي تريدها، ففي الباكستان أقيمت في لاهور مدينة ضخمة اسمها لوليود ، وفي إيران زاد عدد دور السينما بعد وصول الخميني إلى السلطة إلى أكثر من الضعفين، وتم توظيف أموال طائلة أنتجت أعمالا كبيرة في السينما والدراما تتوافق مع الهوية الثقافية للجمهورية الإيرانية الإسلامية بغض النظر عن الموقف السياسي منها .
وفي الدراما حصد مسلسل يوسف الصديق الإيراني على مئات الملايين من المشاهدات كدليل على أن الفن هو وسيلة طيعة بيد مختلف النخب الدينية والثقافية ، ويمكن استخدامه واستثماره بنجاح.
والسينما العربية قدمت أفلاما هامة على هذا الصعيد ، إلى الدرجة التي أنجز فيها المخرج الكبير مصطفى العقاد فيلم (الرسالة) الذي أثنى عليه كثير من الفقهاء ورجال الدين من بينهم المفتي العام الأسبق لسورية الشيخ أحمد كفتارو..
أي أن بإمكان الإنتاج السينمائي أن يستمر، وأن يقدم المضمون الذي توافق عليه الجهات المنتجة، وعلى ذلك فإن بإمكان السلطات الجديدة في سورية الابقاء على الفن السينمائي واستثماره بما يؤدي دورا أخلاقيا اجتماعيا ، وأن تترك المبادرة السينمائية الأخرى تسعى في اتجاه يعكس طموحات الشعب السوري .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



