تحليلات سياسيةسلايد

السيّد نصر الله هو الذي عجّل بمُفاوضاتِ ترسيم الحُدود بمُسيّراته الأربع..

رفض يائير لابيد رئيس الوزراء الإسرائيلي “التحفّظات” اللبنانيّة على بعض المواد الواردة في مُسودّة اتّفاق ترسيم الحُدود البحريّة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي صاغَها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين يعني نسف هذا الاتّفاق تكريسًا للاستراتيجيّة الإسرائيليّة التي تقوم على نهج المُناورة وكسب الوقت، رِهانًا على استِسلام الجانب اللبناني في نهاية المطاف للإملاءات الإسرائيليّة كاملةً، وهُناك سوابق عديدة تُؤكّد ما نقول.

المجلس الوزاري الأمني والسّياسي الإسرائيلي المُصَغّر لم يُصدِر بيانًا بشأن الاتّفاق والصّيغة النهائيّة له بعد اجتماعه الطّارئ أمس، وفسّر الماء بالماء عندما فوّض لابيد والجِنرال بيني غانتس وزير الحرب بمُواصلة المُفاوضات، وفي حركةٍ مسرحيّةٍ مكشوفةٍ أوعز الأخير، أيّ الجِنرال غانتس، لقوات الجيش الإسرائيلي بالاستِعداد لسيناريو التّصعيد في المِنطقة الشماليّة.

لا نكشف سِرًّا عندما نقول إن “خُبراء” حزب الله، الذين يُتابعون هذه المُفاوضات غير المُباشرة عن كثبٍ، هُم الذين وضعوا هذه “التحفّظات”، ودور المُفاوض اللبناني مُمثّل الدّولة، هو نقلها إلى المبعوث الأمريكي، لأنّه لا يُمكن أن يتم اعتماد أيّ ضيعة نهائيّة دُونَ أن يُصادق عليها الحزب، وتحظى بمُوافقةِ قِيادته، ومن يقول غير ذلك لا يعرف الحزب، ولا يعرف لبنان الحالي.

التّكتيك الذي تتّبعه حُكومة لابيد يقوم على أساسِ تأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش” الذي يتردّد أن مسودّة الاتّفاق أكّدت الاعتراف بالسّيادة “الإسرائيليّة” عليه كامِلًا، مُقابل التّسليم بلُبنانيّة حقل قانا، يأتي بهدف تأجيل المُواجهة العسكريّة المُفترضة لِما بعد الانتخابات التشريعيّة الإسرائيليّة، وتشكيل حُكومة جديدة، ممّا يعني الانتِظار لعدّة أشهر، وربّما سنوات، فكُل استِطلاعات الرأي تقول إن الانتخابات القادمة لن تأتي بحُكومةِ أكثريّة قويّة، وقد يتقرّر استِمرار حُكومة تصريف الأعمال الإسرائيليّة الحاليّة، وربّما الذّهاب إلى انتخاباتٍ سادسة، هذا إذا لم ينجح بنيامين نِتنياهو بتشكيل حُكومة بأغلبيّة صوت أو صوتين، ويُنفّذ تهديداته بإلغاء الاتّفاق كُلِّيًّا.

علينا أن نتَذكّر ونُذَكّر بأنّ حُكومة إسحق رابين وقّعت اتّفاق أوسلو، وتفاوضت والحُكومات التي تلتها لأكثر من ثلاثين عامًا على تفسير بُنودها، وخرائط حُدودها، ولم تُنفّذ ولن تُنفّذ أيّ منها، لأنّ منظّمة التحرير صدّقت الخديعة الأمريكيّة والإسرائيليّة ووقَعت في مِصيَدة الاستِسلام والتّطبيع.

عُنصر الوقت ليس في صالح اللّبنانيين، وإنّما في صالح الخصم الإسرائيلي، فلبنان في حالةِ انهيارٍ على جميع الصُّعُد الاقتصاديّة والسياسيّة، وأكثر من 90 بالمِئة من شعبه تحت خطّ الجُوع، والرّهان الإسرائيلي الأمريكي المُشتَرك على انفجارِ حربٍ أهليّةٍ ما زال قائمًا، ولا نعتقد أنّ أيّ حُكومة إسرائيليّة، يمينيّةً كانت أو يساريّة ستسمح باستِقرار البِلاد طالما أن هُناك مئة وخمسين ألف صاروخ، خمسة آلاف منها دقيقة، وآلاف المُسيّرات المُتطوّرة، ومئة ألف مُقاتل في حوزة “حزب الله”، و”إسرائيل” لا يُمكن أن تتعايش مع حزب يُشَكِّل تهديدًا وجوديًّا لها، وفَشِلَت وهُزِمَت في كُلّ حُروبها ضدّه، مثلما فشلت في اختِراقه واغتِيال قيادته.

حُكومة لابيد المُهَلهَلَة، وفي ظِلّ غياب دعم أو حتى برلماني، ومُعارضة قويّة تتوحّد ضدّها، ومحكمة عُليا لا تُعطيها تفويضًا، لا تستطيع توقيع اتّفاق ترسيم حُدود، كما أنها أضعف وأجبن من خوضِ حربٍ ربّما تكون آخِر حُروب الدّولة العبريّة التي قد تنتهي بزَوالها.

الضّمانات الأمريكيّة الموعودة لتنفيذ اتّفاق ترسيم الحُدود ليس لها أيّ قيمة، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن نظيرتها من الأُمم المتحدة، خاصَّةً عندما يتعلّق الأمر بـ”إسرائيل”، فأمريكا وقّعت اتّفاقًا نوويًّا مع إيران بمُشاركة خمس دول عُظمى أُخرى، ونجحت “إسرائيل” وتباهت في إلغائه، وتعهّد لابيد كاذبًا بخوض حرب أوكرانيا إلى جانب الولايات المتحدة، ولم يُرسِل إلا معدّات طبيّة، ومُساعدات إنسانيّة فقط حِفاظًا على صداقة الرئيس الروسي أو تَجَنُّبًا لإغضابه، ونبدأ من الآخِر ونقول إن إسرائيل لا تلتزم بأيّ ضمانات أمريكيّة لأنّها الأقوى، وترسيم الحُدود لا يُمكن أن يتم ويُحتَرم إلا بالقُوّة، والسيّد نصر الله أعلم منّا جميعًا في هذا المِضمار.

الكُرة الآن في ملعب المُقاومة، والسيّد حسن نصر الله على وجه الخُصوص، فهل يقبل سياسية المُراوغة وكسب الوقت الإسرائيليّة هذه وإلى ومتى؟ والسُّؤال الثاني هو كيف سيكون الرّد عليها؟ بتدمير حقل “كاريش”، وحُقول غاز إسرائيليّة أُخرى على السّاحل الفِلسطيني المُحتل في إطارِ حربٍ شاملة؟ أم سيكون الرّد بعمليّةٍ هُجوميّةٍ محدودةٍ وتحذيريّةٍ على غِرار المُسيّرات الأربع التي حلّقت فوق حقل “كاريش” ونجحت في تحقيق مَهمّتها في التّصوير، وبثّ الرّعب في صُفوف الإسرائيليين والأمريكان معًا والتّعجيل بالمُفاوضات؟

ننتظر الإجابة على أحرّ من الجمْر، وأيًّا كانت مُفرداتها النظريّة، أو العمليّة على الأرض، مع التّأكيد على أنّنا نثق بحزب الله، واختِياراته، وإن كُنّا لا نستبعد ردًّا عسكريًّا قويًّا مُزلزِلًا إذا نفد صبْر الحكيم، فالسيّد نصر الله وبحُكم التّجارب العمليّة السّابقة، أثبتَ أنّه لا يخاف الحرب، ولا يتردّد لحظةً في خوضها إذا كانت العِلاج الأخير، ونعتقد أنّ الوقت قد حان لإطالةٍ جديدةٍ له، تضع الصّواريخ فوق كُلّ الحُروف.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى