السَّفير الأمريكي فريدمان يُهدِّد عبّاس: إمّا أن تَعود إلى المُفاوَضات وإلا فالبَديلُ “جاهِزٌ

لم نَعُدْ نَعرِف في الأيّامِ الأخيرة من هُوَ الحاكِم الفِعلي في دَولة الاحتلال الإسرائيلي: هل هو بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، أم ديفيد فريدمان السفير الأمريكي الذي تجاوَز الأعراف السياسيّة والدِّبلوماسيّة، وباتَ أكثر تَطرُّفًا من غُلاة المُستوطِنين، ويتدخَّل في كُل القَضايا المُتعلِّقة بالصِّراع العَربيّ الإسرائيليّ، ويَختار رئيس السُّلطة الفِلسطينيّة ويَضَعْ القوائِم البَيضاء والسَّوداء مِثلما يُريد.

أحدَث “مُفاجآت” السفير فريدمان تَوجيهه تَهديدًا إلى الرئيس محمود عباس يُحذِّره بأنّه “إذا لم يَقبَل العَودة إلى المُفاوضات مع إسرائيل فإنّه سَيأتي من يَقبَل بِها”، وقال في حديث نَقلته القناة العاشِرة الإسرائيليّة “الفَراغات تَميل إلى أن يَجري مِلؤها إذا خُلِق فَراغًا، فأنا مُتأكِّد من أنّ شَخصًا ما سَيملأه وسنَتحرّك إلى الأمام في عَمليّة التَّسوِية”.

السفير فريدمان يعتمد “إهانة” الشَّعب الفِلسطيني وقِيادة السُّلطة في رام الله بِمَواقِفه “الاستفزازيّة”، حتى أنّ الرئيس عباس خَرَجَ بِدَورِه عن كُل الأعراف وسِياسات ضَبْطْ النَّفس عندما وجّه إليه مَجموعةً من الشَّتائِم غير اللائقة، ولكن تهديده باستبدال الأخير، والقَول بأنّ هُناك من هو “جاهِز” للحُلول مكانَه في قِمّة السُّلطة وعلى مائِدة المُفاوضات مَعًا، يُشكِّل تَطَوُّرًا خَطيرًا يَجِب أن لا يَمُر دون رَدْ.

لا نَعرِف من هُو “البَديل” الذي تُعِدِّه الولايات المتحدة وإسرائيل للرئيس عباس، ولكنّنا نَعرِف جيّدًا، ومن خِلال مصادِر فِلسطينيّة، أنّ السفير فريدمان وإدارته تُجري اتّصالاتٍ سِرِّيَّةٍ مع شخصيّاتٍ فِلسطينيّةٍ، بعضها داخِل السُّلطة، وأُخرى من خارِجها، لتَكون هذا البَدل الذي يُمكِن أن يَقبَل بـ”صفقة القَرن”، ويَتخلّى عن الثَّوابِت الفِلسطينيّة جُزئيًّا أو كُلِّيًّا.

تصعيد مُعاناة الشَّعب الفِلسطيني الاقتصاديّة وعمليّات التَّجويع المُباشِرة أو غير المُباشِرة التي بَدأت بتَخفيض المُساعدات الأمريكيّة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفِلسطينيين (أونروا)، وفَرْضِ عُقوباتٍ على قِطاع غزّة، الخُطوة الرئيسيّة في هذا المِضمار، و”المالِ” الفِلسطيني و”الكثير منه”، قد يَكون سِلاح “البَديل” الفِلسطيني الجَديد، ومن المُؤسِف أنّ دُوَلاً عربيّةً عِدّة مُتَورِّطة في هذا المُخطَّط.

البَدائِل من داخِل السُّلطة ربّما تكون مَحصورةً بالرِّهان على قادَة الأجهزة الأمنيّة، وهُناك أحاديث تتردَّد عن طَرح اسم اللواء ماجد فرج، الذي يتولّى مُهِمّة التَّنسيق بين قُوّاتِه ونَظيراتها الإسرائيليّة، أمّا من خارِج السُّلطة فجَرت اتّصالات مع بعض رِجال الأعمال البارِزين، لتَشكيل مَجلس قِيادي، وما يُثير العَديد من علامات الاستفهام أن اللواء فرج لم يُصدِر أيَّ بَيانٍ ينفي فيه هذهِ التَّسريبات نَفيًا قاطِعًا، والشَّيء نَفسُه يُقال أيضًا عن رِجال الأعمال، أو شخصيّات أُخرى داخِل السُّلطة، بل وداخِل اللَّجنة المَركزيّة لحَركة “فتح”.

المُشكِلة تَكمُن أيضًا في الرئيس عباس الذي يَكتفي هذه الأيّام بِلُغة الشَّتائِم في الرَّد على خُصومِه سَواء كان هؤلاء مِثل فريدمان (ابن الكلب)، أو “حماس” (سنضربهم بالكنادِر)، أو حتى الرئيس دونالد ترامب (يِخْرِب بيته)، ولا يُقدِم على خُطوةٍ “عمليّةٍ” واحِدة للتصدِّي لهذهِ المُؤامَرة والذين يَقِفون خَلفها.وربّما يُجادِل البعض بأنّ الرئيس الفِلسطيني لا يُريد أن يكشِف أوراقه، ويُفضِّل تأجيل اتّخاذ أيَّ مَوقِفٍ ريثَما ينعقد المجلس الوطني الفِلسطيني أواخِر الشَّهر المُقبِل (30 نيسان ـ إبريل)، وردنا على هذا الجَدل القَول “بأنّ المَكتوب يُقرأ من عُنوانِه”، ولو أراد الرئيس عباس اتّخاذ مَواقِف حاسِمة في وَجْه هذا التَّغَوُّل الأمريكي الإسرائيلي، لما عَقد هذا المجلس في رام الله تحت حِراب الاحتلال، ولأقدم على وَقفْ التَّنسيق الأمني كُلِّيًّا، ووجّه تعليمات لحَركة “فتح”، التي يَقودها، بالنُّزول إلى الشَّوارع في انتفاضةٍ كاسِحة.
نَخْتِم بالمَثل الفِلسطيني العَربي الذي يُلخِّص حالة الرئيس عباس ليس اليَوْمْ، وإنّما مُنذ سَنوات “لو بِدها تَشتِّي لغَيّمت” الأمْر مَتْروكٌ لفَهْمِكُم.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى