(الشام) متهمة في مسلسل حارة القبة: مهارات في السيناريو والتمثيل والإخراج!
(الشام) متهمة في مسلسل حارة القبة: مهارات في السيناريو والتمثيل والإخراج!…خرج الكاتب أسامة كوكش عام 2009 من كواليس الدرامية والتلفزيونية، حيث كان واحدا من أشهر مهندسي الإضاءة في التلفزيون العربي السوري، خرج إلى (قلب اللهب) وهو اسم مسلسله الأول، أي دائرة الضوء، ليطرح أسمه مجموعة تساؤلات للجمهور عن علاقته بالمخرج الفنان علاء الدين كوكش، فعرف الجمهور سريعا أنه من صلب الأسرة الفنية لآل كوكش، وأنه شقيق علاء، وأنه متمكن من الكتابة مثلما هو متمكن من تصميم الاضاءة في التلفزيون، لكن ماذا كتب لنا عن حارة القبة؟!
خرج أسامة كوكش، ابن حي القيميرية الدمشقي، في العمل الذي عرض في رمضان الحالي (2023) عن التعصب للشام ليقدم المدينة وأهلها من خلال مجموعة اتهامات لم يكن المدافعون عن أصالة البيئة الشامية يوافقون عليها في هذه الصيغة التي عرضت.
وهنا من الضروري الإشارة إلى نقطتين مهمتين، وهما أن الاتهامات التي ألصقت بالشام وأهلها، قدمت بتكنيك عال في كتابة السيناريو وسرد متقن لتفاصيل العمل والشخصيات والأحداث ، وأن مخرجة (الصخب الدرامي) المعروفة رشا شربتجي اشتغلت عليه بمهارة خبير في تقديم صراعات الأشخاص والأماكن في الصورة الآسرة التي يلاحقها الجمهور.
في حارة القبة ( الجزء الثالث) ، تواجهنا الجريمة والطمع والغدر منذ الحلقات الأولى، فنحن أمام خلاف بين (بيك) وصهره (وجيه في الحارة) على مال وذهب، يجر هذا الخلاف إلى تهديدات متبادلة، لاتلبث الحارة أن تفاجأ بجثة ابن هذا الوجيه (أبو العز) وقد وضعت أمام بيته، ولم يكن خافيا على المشاهد أن (القاتل) هو صهر (ابو العز) الذي جاء بغد غياب عشرين سنة يبحث عن جرة ذهب دفنها في حوض لشجرة في بيته المغلق، فإذا هي مستبدلة بالحديد بدل الدهب، وكان عليه أن يبحث عنها في تعذيب زوجته الأولى الأسيرة (أمل عرفة) التي أبدعت في دورها!
مفتاح سحري، في كتابة السيناريو الرائج :
قتل ، مال ، غدر، طمع ، أي أن المشاهد الأولى للرواية التلفزيونية تفتح على لغة تشويق متقنة الهدف منها الإمساك بالمشاهد حتى النهاية، وهذا من حق الكاتب في طريقة الكتابة (الكلاسيكية) للسيناريو، لكن ليس من حقه أبدا استخدام هذه المهارات في تشويه صورة المجتمع الدمشقي، الذي يتجه عبر تفاصيل الرواية التلفزيونية اللاحقة في المسلسل، ليكشف تفاصيل مخبأة كريهة لمدينة محبوبة في العالم كله، ومعروفة بأصالتها ومعدن سكانها الأصيل، وأيضا بوجوه سلبية وأحداث صعبة مرت بها .
المشاركون في هذه التفاصيل :
وجهاء، ورجال دين، ونساء، ورجال شرطة ، وتجار، وصغار كسبة. والبيئة هي بيئة تجارية لاتبتعد كثيرا عن البيئة الشامية، فتفاصيل البيت الشامي هي نفسها، وهوية البيت هي نفسها، وتقاليد التعامل بين الناس هي نفسها، والنهارات والليالي هي نفسها، لكن المعنى العام للسرد يجحف في حق هوية المدينة الكبرى، ويجعل أهلها صورة الشر المطلق في (أبهى صورة فنية) يمكن أن يقدم فيها عبر الشاشة!
والغريب أن الممثلين اندمجوا في اللعبة، فقدموا أفضل مهاراتهم، إلى الدرجة التي تفوق كثيرون منهم على الشخصيات نفسها التي يلعبونها، في جدلية العلاقة بين الشخصية (الداخل) والأداء (الخارج).
كل هذا لايعني أنني أحتج على رصد مثل هذه الظواهر في أي مجتمع من المجتمعات، على العكس، فقد طالبت علانية في ندوة اشترك فيها المخرج باسل الخطيب والكاتب حسن م. يوسف قبل نحو عام، بأن نرى البطل السلبي وهو يعبر نفسه، نريد أن نعرف ماالذي يدفعه ليفعل بنا ما يفعل، أي يقدم لنا وجهة نظره بنفسه .
وإذا كانت هذه رغبتي إلى الآن، فهذا لا يعني أنني أريد كسر التوازن الاجتماعي في الصراع بين الخير والشر، يمكن أن نتعرف على البطل السلبي في سياق عمل كامل، لكن ذلك يتطلب أن لاتكون البيئة المجتمعية التي يعيش فيها هي من النوع نفسه !
في حارة القبة، الشر سائد، قوي، مجنون، يتفنن في تقديم نفسه، والخير مستبعد من (اللوغوس) ، وهذا يعني أننا أمام حالة من (الحمق) ، كما يراها فوكو في تقديمه لفلسفه الجنون، الذي يساوي الحمق، والذي هو في جوهره النأي عن العقل!
وسواء انتصر الخير أم الشر، فاللعبة في النهاية ، هي صراع اجتماعي درامي ينبغي أن يظهر مكنونات المجتمع في كل وجوهه ، وإذا كانت المرأة أحد أهم مكنونات أو مرتكزات هذا الصراع، فقد قدمتها (حارة القبة)، في صورة الأفعى والشريرة أوفي صورة الإمعة ، والمرأة السورية بشكل عام ليست كذلك.
تحتاج حارة القبة إلى نقاش نقدي، وفي الوقت نفسه تحتاج إلى إطراء من نوع خاص للمهارات التي ظهرت فيها وخاصة من الممثلين الذي ارتدوا قمصان شخصياتهم ، وتشربو ا أرواحها الشريرة، ولا أعرف إذا كان ذلك يحملهم شيئا من الوزر ، لكنهم نجحوا!