الشرق بلا مسيحيين ..!!
فكرة أخجل صراحة من الغوص فيها رغم أنه، ومنذ بدايات الأزمة السورية، حاولت طرحها بشكل إنساني غير طائفي أو موجه .. باعتبار المسيحيين في سوريا هم جزء فاعل ومهم وأساسي من تركيبة النسيج السوري .. ولكن سأستعرض الواقع كما رأيته وكما أراه اليوم .. ليس للنقد انما لفتح أفق للحل، خاصة وأن خوفي الشديد مازال قائماً من تفكك هذا النسيج وضياع هذا الوجود لعدة أسباب منها :
1- غياب القيادات و المرجعيات الدينية والسياسية التي توجه أو تقود وتتكلم باسم هذا المكون الاجتماعي ، وتطالب بحمايته وحقوقه .. بسبب اعتماد النظام على العلمانية كفكر للدولة والدستور ..وبالتالي تبني النظام فكرة حماية الأقليات وانضوائها تحت جناحه ، مما أدى إلى تحييد هذا المكون عن الحياة السياسية ، باعتبار النظام الممثل الوحيد لكل مكونات الشعب..
2- قلة التعداد السكاني أساساً ..وتناقصه .. بسبب قلة الولادات من ناحية .. وحركات الهجرة والتهجير التي سببتها الحروب والنزاعات الطائفية والدينية من الاحتلال العثماني للمنطقة ، إلى قضية فلسطين وحرب لبنان وتهجير مسيحيي العراق، والتي أ رخت بثقلها على الوجود المسيحي في المنطقة بشكل عام .
3- تشرذم الطوائف المسيحية أساساً، وكثرة القيادات الدينية غير الفاعلة سياسياً.
4- وبسبب البعد الطائفي والعنف الذي بدأ يأخذه النزاع في سوريا في بدايات الأزمة .. وباعتبار القضية لم تكن قضية وطن أو دفاع عن الوطن ضد عدو خارجي واضح وصريح… أبى الشباب المسيحي المشاركة قتالياً في هذا الصراع، واكتفوا بخدمة العلم أو تشكيل بعض الميليشيات لحماية المناطق .. كما قام الكثير من الشباب والعوائل بالخروج من البلد هرباً من خدمة العلم من ناحية ، ومن قذائف وصواريخ الموت من ناحية أخرى .. إضافة لحالة الفوضى والفلتان الأمني المخيف الذي فرضته الحرب من خطف ..إلى سرقات .. وإلى قتل.
5- التطرف المرعب ..وظهور فكر إسلامي جهادي إقصائي ، دعمه الاعلام ،وعمليات القتل والإبادة والتنكيل التي رافقته من تدمير للكنائس والضيع المسيحية والرموز الدينية .. وقتل وخطف بعض رجال الدين ، مما أدى إلى زيادة الخوف والتقوقع حول النظام .. أو مغادرة البلد هرباً من الموت والتطرف .
6- السياسة العالمية التي شجعت تهجير المسيحيين بفتح أبواب السفارات واللجوء الانساني أمامهم ..تنفيذاً لمخطط الشرق بلا مسيحيين .
وما زال هناك الكثير من الأسباب يمكن عرضها .. لكني سأكتفي بالقول :
المسيحيون هنا منذ آلاف السنين .. وهم السكان الأصليين في المنطقة إضافة لباقي المكونات .. ومحاولات تهجيرهم من سوريا تنجح بسبب التطرف و الخوف ، وحالة الفوضى والانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحاصلة .. والتي يدفع ثمنها كل السوريين دون استثناء خاصة الشباب الذين هم عصب البلد وروحها ومستقبلها … ولكن المسيحيين لكون قلة عددهم يظهر أنهم مستهدفين بالتهجير .. وهذا مؤلم أن لا يبقى مسيحيين في سوريا لأن جمال وروح سوريا يقوم على التنوع الطائفي والديني والمجتمعي … !!
أنا لا أحب الحديث بهذه اللهجة .. وأكره تصنيف السوريين إلى طوائف .. لكن الواقع المقرف يفرض نفسه علينا …. ومضطرين لتسمية الأمور بمسمياتها لإيجاد حلول بدل أن ندفن رأسنا بالتراب كالنعامة ونخاف الحديث واقعياً … خاصة أن أوروبا قد شرعت أبوابها للجوء، ولو بطرق غير مباشرة .. والحرب مستمرة وشبابنا تعبوا وملو من الموت على كل الجبهات… سوريا تخسر كثيراً من شبابها ومن العائلات الشابة والعقول .. من كل الشرائح والأطياف .. وأنا كسورية أولاً وثانياً وأخيراً … أطلب وقف القتال والحرب .. لأن هذا هو الحل الوحيد ليتوقف شبابنا وناسنا عن ترك البلد هرباً من الموت والفوضى .
أوقفوا القتال .. لتتوقف الهجرة والهرب والتهجير.. وتبدأ الحياة .. ونعود لنبنيها من جديد ..!!